بقلم : أماني موسى
جلس عم سعيد مسعد أبو السعد على مكتبه واضعاً يده على خده بحزن وخوف وصمت تام لا يكسره سوى سكسكة عم سعيد بفمه كل شوية، مما آثار فضول زملائه بالمكتب وتساءلوا عن سبب صمته ووجهه العابث هكذا، فأجابهم أنه خايف على سرور ابنه لأن انهاردة ميعاد مقابلته في الوظيفة الجديدة ودي المرة العشرين اللي يروح ويترفض يأما لأنه معندوش واسطة أو مش معاه المهارات المطلوبة من لغة ولباقة وحسن المظهر، واستكمل كلامه (وأنا خايف عليه يجيله مرض نفساوي، الواد داخل على التلاتين ولا جواز ولا شغل، حاجة تحزن).
فردت هنية وقالتله أنا هدعيله كام دعوة كدة وهيقبل في الشغلانة دي وهتشوف،، واتصل عم سعيد بمراته ابتسام عشان يتأكد ابنه راح المقابلة ولا لاءة، فقالت له الواد طاير من الفرح يا سعيد، وقام من الصبح بدري ومبسوط.
وفعلاً كان "سرور" مسرور عالأخر وقال الحمد لله انهاردة فيه أمل أودع البطالة وهلاقي حاجة تشغلني غير الفرجة على هيفا وروبي، وجري عشان يبوس الكمبيوتر بتاعه ويقول له الوداع يا كمبيوتري العزيز، من انهاردة مش هتعبك بالجلوس قدامك طول اليوم أنا بعذب في لوحة مفاتيحك من الألعاب اللي بلعبها طول اليوم، من انهاردة هبقى صفر على اليمين بعد تلاتين سنة وأنا عايش صفر على الشمال، من انهاردة هبقى موظف محترم وشخص منتج بعد تلاتين سنة وأنا عالة على أبويا والأرض كلها....
وكان ماشي طول الطريق خايف وقلقان، يا ترى هيسألوني إيه؟، يا ترى هتقبل لا زي كل مرة هيقولوا لي سيب ورقك عند السكرتارية ولما نحتاج هنتصل بيك.... وكانت الأسئلة متزاحمة برأسه ولكنه قرر يهدى ويسيبها على الله.
وأول ما دخل المكتب فضل يلزق في شعره أكتر ويحك حذائه في رجل البنطلون عشان يضمن أنه يكون متلمع أوي جداً خالص –زي دماغه المتلمعة طبعاً وخالية من أي معلومات-.
ولما المديرة شافته قالت له اسمك إيه؟ أجابها : بسم الله الرحمن الرحيم، أسمي سرور سعيد مسعد أبو السعد، فنظرت له بدهشة وضحكت بصوت عالي وقالت: ما هو باين أوي علامات السعادة والسرور على وشك بس مش عارفة ليه!!
واستكملت: عمرك؟ قال لها ابتدى من أول ما شوفتك، فعبث وجهها وتعالىَ صوتها: أنت جاي تهزر يا أستاذ بئس أنت؟؟
وأكملت كلامها: إيه خبراتك واللغات اللي معاك؟؟ فأجابها لغاتي عربي ولا مؤاخذه بتكلمه بالفصحى والعامية والإباحية كمان، يعني تلات لغات بالصلاة على النبي والأرض ببتكلم عربي وكمان معايا شهادة جودة في استخدام لغتنا الجديدة اللي هي الجزمة ولا مؤاخذة، أما خبراتي كويسة والحمد لله بتابع كل القنوات الجزيرة وهيفا وأخواتها.
فنظرت له شذراً وقالت: هل لديك شهادات خبرة في الكمبيوتر؟ فأجابها بفرح طبعاً أومال إيه، دة أنا محترف كمبيوتر وبلعب "الجيم" بكل أنواعها حتى الشطرنج....
فسكتت المديرة ورفعت حاجبيها وأخذت تتفحص وجهه الباسم وقالت له: أنا بحسدك على اسمك وعلى كل السرور اللي أنت فيه دة...، فضحك سرور وقال لها: إذاً نقول مبروك وأتقبلت في الوظيفة ومش هتسمعيني الجملة اللي بسمعها كل مقابلة عمل (سيب ورقك ولو احتاجنا هنتصل بيك).
فقالت له للأسف أنت مش هتتقبل في الوظيفة ي ولا في غيرها ولا حتى تستاهل أقلك سيب ورقك، أنت مهاراتك دي تروح تلعب بيها جيم بس مش على الكمبيوتر، تلعب بيها كورة شراب وياريت لو وقفت قدام عربية وكمل أنت الباقي بقى.... وقاطعتها الوكيلة بحزن وصوت منخفض (المشكلة يا سيادة المديرة عندنا في البلد كم سرور زيه كدة ويا ترى إيه العمل)؟؟
فراح السرور من وجه "سرور" وأخذ ورقه وعاد لبطالته وفراغه بشوق ولهفة، فهما الوحيدين اللذان يتفهمانه ولا يسخران منه، وأخذ يردد أغنية سعد الصغير ( هتجوز ، هشتغل في المشمش)
عادي في بلادي: تدرس سنوات طوال وتدفع الطائل من الأموال وتخرج مخك أصغر من الحمار لا معاك خبرات ولا مهارات لكن معاك خيبة أمل مليئة بالوكسات. |