CET 09:36:50 - 05/04/2009

مقالات مختارة

بقلم: د. حسن عبد ربه المصري

دعونا نواجه الحقيقة علي مرارتها.. مصر لم تعد أم الدنيا كما كانوا يقولون وكما كنا نعتقد لفترة طويلة من الزمن!! مصر أصبحت بكل المقاييس أم التناقضات وأبوها أيضا.. هناك فجوة هائلة وشديدة العمق بين مصر وحكومتها وناسها الكبار.. وفجوة هائلة وشديدة العمق بين أحياء عاصمتها وبين هذه الأخيرة ومدنها الكبري، وفي المقابل لم يعد الفرق كبيرا بين ريفها وهذه التي تسمي عاصمة أو مدناً كبري.

هل يصدق مصري أن القاهرة عاصمة أم الدنيا التي تُعد من أقدم المدن تاريخياً يعاني نصف أحيائها السكنية من أزمات سكانية وتصدع في مبانيها وتآكل في بنيتها التحتية، خاصة الصرف الصحي ومصادر مياه الشرب والمعمار الهندسي الأوروبي والإسلامي.. وأن هذا النصف يعاني من تدني الخدمات الحياتية علي جميع المستويات الصحية والتعليمية والبيئية.. إلخ. وأن عدة مئات آلاف من سكانه يعيشون تحت حد الكرامة والإنسانية في المدافن والعشوائيات وإنهم يتعاملون مع متطلبات الحياة بمنطق اللي تغلب به العب به! وأنهم ينظرون قهراً وحقداً إلي من هم ليسوا علي شاكلتهم نظرة التشفي والغل وربما التهيؤ للانقضاض.

مصر أم الدنيا يعاني فقيرها في العاصمة والمدن والريف من انحسار مسئولية حكومته في مجال العلاج الشعبي ويكلف بشراء ضعف ما يحتاج إليه من مواد تطبيب وأدوية ويثقل كاهله بدفع تكاليف العمليات الجراحية التي تُسرق أثناءها أعضاؤه السليمة.. ويعاني غنيها من انعدام ضمير العلاج الاستثماري وتطبيب السبع نجوم واستبدال أعضائه التالفة بأعضاء أخري بعيدا عن أعين القانون والفتاوي والحاقدين.. ويعاني فقيرها من تكالب بعض شرائح المجتمع علي بطاقات صرف المواد التموينية بينما يرفض المنتسبون إليها رفع أسعار الوقود اللازم لتسيير سياراتهم الفارهة.. ويعاني فقيرها من ارتفاع سن تزويج البنات وتزايد عنوستهم وتصاعد أرقام الزواج السري بينهم بكل مسمياته بينما يراقب بحسرة صفقات أفراح أغنيائها شديدة البذخ التي يتباري أصحابها في تطوير صور إخراجها ويصرون علي التباهي بما يقدم فيها من مأكل ومشرب وتسلية!، ولا يحزنهم كثيرا بعض نهاياتها المفجعة.

مصر أم الدنيا تعاني من تدني مستويات الإنتاج الحكومي والصناعي والزراعي، في وقت ترزح فيه ميزانيتها تحت وطأة الدين الداخلي والدين الخارجي والنهب المتواصل لقروضها.. وتعاني من سوء استخدام الأموال التي تُرصد لتوفير ما يقال عنه خطط التنمية البشرية والبيئية وتعاني من تقلص رؤية سياسييها وخبرائها للمستقبل في مقابل تلبية احتياجات اللحظة الراهنة مهما كانت الخسارة.. وتتعامل مع القروض والمساعدات والإعانات الدولية والعالمية بمنطق اللعب علي الحبال والتسويف والاستكراد! وتلبيس الطواقي والترقيع.

مصر أم الدنيا التي تعاني من أزمات بشرية وسكانية بيئية مزمنة ومريرة يكمن حلها التدريجي في خلق كوادر حرفية ومهنية قادرة علي تجسير فجوات التناقضات التي تعاني منها، تترك خريجها نهبا للضياع المتمثل في تزايد حجم الجريمة وانفتاحها علي ميادين جديدة شديدة الخطورة وفي تزايد البطالة والشقاء المجتمعي والتفكك الأسري وما يرتبط بكل ذلك من أشكال الانحراف وبؤر الفساد والإفساد والعلاقات المحرمة وأطفال الشوارع الذين تعدي سن روادهم العشرين!.

مصر أم الدنيا زاد معدل اعتمادها علي الآخر بنسبة 70%، والآخر هنا عربي/ خليجي، وأجنبي/ أووربي وأمريكي. الآخر أصبح يمثل نقطة الارتكاز ومنطلق الحل لكل ما تعانيه من تناقضات، الآخر الذي يقدم الحلول ويقترح المبادرات يستغرب كيف لا يري خبراء مصر وخيرة إخصائييها كيف يكون حل المشاكل المستعصية.. ويتساءل ماذا جري لما قدّمه من مقترحات مر عليها أكثر من خمسة عشر عاماً؟ ويندهش لعدد الخبراء غير القادرين علي وضع رؤاهم موضع التنفيذ لتخليص البلاد من أزمات حياتية كانت تتطلب علاجا حاسما منذ بضع سنوات ثم تحولت إلي أمراض سرطانية تحتاج إلي بتر واستئصال فوري!.

مصر أم الدنيا التي يتحكم رجال الأعمال في 80% من مفاصلها الإنتاجية والتنفيذية، تنشغل نُخَبها بالمضاربات في الأسواق العالمية وتنسي مسئوليتها الاجتماعية والأخلاقية حيال مجتمعها.. وتسعي إلي تشغيل جزء كبير من أرباحها في أسواق أمريكا العقارية وفي أسواق الاتصالات الأوروبية، وتضن علي ميادين البحث العملي بـ 1% من صافي أرباحها وترفض أن تتحمل مسئولية تدريب العمالة الفنية القادرة علي استخدام تكنولوجيا الصناعة والزراعة والخدمات وتستعيض عن ذلك باستيراد عمالة جنوب شرق آسيا الوافدة.

مصر أم الدنيا التي فشلت حتي يومنا هذا في أن تكون من العشرة الأوائل في ميدان السياحة العالمية بالرغم من أنها مخزن العالم الأثري علي مر العصور.. هي الأولي في حقل الفهلوة رسميا وشعبيا.. والأولي في حقل إرهاق السائح وتعذيبه.. والأولي في التقطير عليه والتوسيع علي نفسها من ورائه.. والأخيرة في الاهتمام بتلبية طلباته إلا إذا أفرغ ما في جيوبه وتنازل عما له وما يطمح إليه.. حتي الاكتشافات الأثرية الحديثة، لم تتمكن أم الدنيا من تسويقها عالميا عن طريق الوسائط الشفافة المعترف بها.
لذلك نقول: إن مصر هي بلا منازع أم التناقضات وأبوها كمان! وعلي المعترض أن يثبت عكس ذلك دون اللجوء للقضاء <
استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا
drhassanelmassry@yahoo.c0.uk
نقلا عن البديل

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع