بقلم: عادل عطية
ذات صباح مشرق ، وجميل ..
باحت أم لأبنها الشاب بسر كتمته بين جوانح فؤادها عشرين عاماً ..
قالت له ، وهي مزهوة بنبالته ، وفتوته :
يا بني ان اباك ملكاً يعتلي عرشاً كبيراً ،
وقد آن الأوان لأن ترحل إليه .
هذه هي وصيته لي ، ولك .
عندئذ امتشق الفتى سيفه ،
وخاض غمار رحلة شاقة كاد يهلك في دروبها الوعرة ..
لكن جسارته أنقذته ..
فقد أغمد سيفه في قلب السفلة والأوغاد ممن يغيرون على الخلق ؛
لسلبهم قوت يومهم ، وأمنهم .
عندما اقترب من مشارف مملكة أبيه ،
روعه أن البلاء يحكم خيوطه الكثيفة من حولها ،
وأن الناس من فرط تعاستهم في بؤس مقيم .
لقد كان عليهم أن يقدموا كل عام فدية ..
من خيرة شبابهم .
وأجمل فتياتهم .
إلى مملكة أخرى ،
يقذف بهم ملكها إلى وحش اسطوري يفتك بهم فتكاً .
عندما حان موعد فدية الموت ،
أصر الفتى على أن يكون واحداً منها ..
قال لأبيه الملك :
حتى تزول الغمة ينبغي أن نكون قدوة .
شق " ثيذيوس" طريقه مع أقرانه دون خوف ، أو وجل ..
كافأته الأقدار على نبله ، وجسارته ..
تمكن بضربة من سيفه أن يقتل الوحش .
هكذا تنتهي أسطورة يونانية قديمة ..
لكن رموزها الإنسانية ،
ودلالاتها الكونية ،
تبقى حتى اليوم نبراساً يضيئ الطريق للحالمين بالخلاص من زمن أزمنة القهر !
وتنثر حروف حكمتها الملهمة ،
ومفردات بلاغتها في كل بقعة على ارضنا ،
التي تكابد لعنة ،
الذين تنكّروا بممارساتهم ، واقوالهم ، وتحالفاتهم ، واصطفافاتهم ..
لروح ، وجوهر الإنسانية .
وجعلوا الأرض المكان الأمثل للعذابات المروّعة ..
الاسطورة تبحث الآن في قلوبكم ..
عمن يخض ولو معركة واحدة مع نفسه الامارة بالصمت أمام صرخات اليأس المؤسفة ..
عمن يشهر سيف إيمانه ، وقلمه ، وصوته الصارخ في ظلام القلوب الصلدة ..
ولو خاطر بحياته ..
ليصنع اختراقات مجيدة من أجل البشرية ..
ويقتحم مواكب الشر ؛
ويجابه : وجه الشيطانية الأسود ..
وينتشل الذين يتذوقون الخوف قبل أن يخوضوا في معمودية الدم .
الاسطورة لا تزال تواصل الكفاح معكم ..
بإظهار الشجاعة في قلب العالم .
ولا تزال حبلى بغد جميل ..
ولكن حتى لا تجهض الطموحات الرعناء والأفكار الحمقاء ، حلم الأيام الآتية ..
لا تنسى لحظة ..
أن الفردوس الأرضي لا يفتح بوابات حدائقه ،
إلا لمن قال له " ثيذيوس" كلمة السر ..
وهو يختار الموت فداء ، وعطاء ! |