بقلم: صبري فوزي جوهرة
أتاح اجتماع فرجينيا الذي عُقد في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من مارس لتجديد العمل القبطي في المهجر والذي دعى الدكتور سعد الدين ابراهيم للتحدث فيه كضيف, مناسبة لشرح أفكاره للمجتمعين من أقباط المهجر عن السماح للإخوان المطززين بالإشتراك في العمل السياسي من منطلق ديني، ومما يُفهم مما قال في حديثه أنه لا يشاركهم في منهجهم وأفكارهم في العمل السياسي التي أعلنوها بالرغم مما فيها من نفي وإثبات وتارجح، وفي اعتقادي أنه عملاً بنفس المنطق فهو لا يؤيد ما خفي منها وهو بلا ريب الأعظم حيث أن ما يخفي هو الشر وما لا يحتمل موافقة الرأي العام.
أكد الدكتور سعد إيمانه الشديد بدولة يفصل فيها الدين عن السياسة تماماً، وأن يُسمح (للبعدا) بالمشاركة العلنية طالما التزموا بهذا المبدأ وأشار إلى ما يجري الآن في تركيا كمثال, حيث يتولى الحكم فيها حالياً حزب ذو مرجعية دينية إسلامية ملتزم تماماً بقواعد فصل الدين عن الحكم.
و مع احترامي لفكر وجهود الدكتور سعد في مجال المطالبة بديموقراطية حقيقية هي أعمق مما يسمى "بديموقراطية صناديق الإقتراع", إلا أنني أختلف معه في تفاصيل عديدة يمكن أن تُلخص في عبارة قصيرة هي أن مصر ليست تركيا، وأرجو أن تتسع صدوركم لما سأحاول سرده من هذه الفروق:
1. هناك دستور تركي قائم يؤكد علمانية الدولة بينما يعلم الجميع نص المادة الثانية الكارثية من الدستور المصري التي أعطت الدولة دين, ودين واحد,
وواحد فقط, و فقط لا غير وهو بالطبع الدين الوحيد المقبول عند الله.
2. ينص الدستور الكمالي التركي المعمول به حالياً على مسؤلية الجيش في الحفاظ على علمانية الدولة، وقد قام الجيش التركي بهذه المهمة وأقال حكومة إسلامية سابقة فعلاً إلى أن انتخب الشعب التركي الحكومة الحالية (ذات المرجع الديني والأداء العلماني) وذلك لفشل الحكومات التركية السابقة في التصدي لمشاكل تركيا الداخلية، وربما كان لما يسمى بالصحوة الإسلامية بعض الأثر في نجاح الإسلاميين الأتراك الحاكمين الآن.
3. أما عن ضمان الجيش التركي لعلمانية الدولة ففيه كلام:
أ . من منا يحبذ أو يريد أو يتطلع لأن يتولى الجيش المصري ضمان علمانية الدولة المصرية؟ ما حرمناش بعد كارثة 1952؟ ومن يضمن أن يعود الجيش المصرى إلى ثكناته بعد إعادة النظام العلماني ولا ينتج عن التدخل المفترض فيه الوقتية قيام دولة عبد السلامية (على وزن مباركية) تورث مصر ومن عليها لبكباشى جديد وذريته الكريمة؟.
ب. ماذا لو كان الجيش مخترق ومكتظ بالمطززين شأنه في ذلك شأن التعليم والقضاء والجهاز الأمني والنقابات وكمسارية النقل العام؟.
ج. هناك الآن تململ وتذمر في تركيا يدعو إلى عدم تدخل الجيش في السياسة، وظهرت علامات جديدة تشير إلى أن الحزب الإسلامي الحاكم ومؤيديه قد تحولوا من موقف الدفاع تجاه الجيش حامي العلمانية إلى وضع التحرش بكبارالضباط خاصة المتقاعدين منهم المدافعين عن علمانية الدولة والهجوم عليهم والتهديد بمحاكمتهم، ويتعلل الإسلاميون في ذلك بسعي تركيا إلى الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي الذي لا يقبل تدخل العسكر في السياسة, ناهيك طبعاً عما تعاني منه الأقلية المسيحية في تركيا من قتل وتعدي وإضطهاد وكذلك ما يتمتع به الأكراد هناك من هناء وسعادة وكأن ذلك من متطلبات القبول في الجماعة الأوروبية.
4. بالرغم مما يبدو حالياً بأنه مد إسلامي في تركيا، إلا أن المناخ السائد في هذه البلاد ما زال هو الحفاظ على مبادئ الدولة الكمالية العلمانية، وهذا على عكس ما تردخ مصر الآن تحت وطأته من هوس ديني وتسارع وتنافس المصريين في استطلاع رأي الدين في أقل وأتفه أمور الحياة, الواقعة منها وما يستجلبه الخيال واستدعاء رجاله العلماء الأفاضل الأتقياء وانتظار آرائهم فيما يوجب عليهم الدين أن يفعلوا حتى لو كان الواحد فيهم "محصور" فيبقى ماسك روحه صابراً منتظراً حتى يتبين له أمر الله في الأمور الجلل مثل كيفية دخول المرحاض وبأي رجل يخطو أولاً وماذا يقول (وهو بيعملها)، وطبعاً تبقى مشكلة لو جاء رد الدين بالقول بأن الله أعلم.
من المتوقع أن يبقى الحال على ما هو عليه في تركيا, تحسباً ورغبة في الشعبطة في آخر عربات القطار الإوروبي, وفي مصر حيث أن ليس هناك ما يشير إلى فوقان خلق الله ووعيهم بما هم فيه من هم وغم وتأخر وانحدار إلى حضيض أعمق.
بناء على ما سبق, وعملاً بالقاعدة الراسخة القائلة بأن الوقاية خير من العلاج, وبأن إللي إتقرص من التعبان يخاف من الحبل, وتحسباً من إعادة الكارثة العسكرية من أول وجديد وقد استنفذت مصر إحتياطيها الذي بنته أيام الرجعية والإقطاع والإستعمار والذي أبقاها إلى الآن بشبه معجزة وما بقاش فيها نفس لمغامرات جديدة, يعتقد العبد لله بكل تواضع أن اللعب مع المطززين خطر داهم خاصة وأن ليس فيم يقدمون منهج أو أسلوب يدعو إلى التفاؤل بل العكس, والإعتماد على الجيش لتخليص مصر منهم عند اللزوم, واللزوم هنا آت لا محالة, ما هو إلا إستعانة من الرمضاء بالنار.
آسف يا دكتور سعد ولكن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. |