إن من يتابع الحوادث التي تنشرها الجرائد في الفترة الأخيرة يلاحظ تغيرا ملحوظا في نوعيتها خاصة تلك المتعلقة بجرائم السرقة، فلم يعد اللصوص هم تلك الطبقة من محترفي كسر الأبواب وتسلق المواسير وخاطفي السلاسل الذهبية والمحافظ، بل طبقة جديدة تماما يصح ان نطلق عليها طبقة »لصوص الملايين« علي غرار أصحاب الملايين، وأصبحنا نقرأ عن المحافظ إياه الذي تضخمت ثروته وأصبحت ملايين بطريق غير مشروع أو نائب رئيس الهيئة الخدمية إياه الذي تورط في رشوة بربع مليون جنيه أو وكيل الوزارة إياه الذي حقق ما يقرب من المليون نتيجة لصفقة حرام.
والمحامي المشهور الذي يتلاعب بمصائر الآلاف من المواطنين الكادحين في محاولة لتهريب ملايين الجنيهات لحساب موكله الذي أصبح أكثر شهرة، ناهيك عن الحاج الملتحي فلان والحاج الملتحي علان الذين كانت صورهم وأسماؤهم تملأ صفحات الجرائد والذين استأمنهم الناس الغلابة علي أموالهم علي أمل ان يحققوا لهم ربحا حلالا يعينهم علي مطالب الحياة فاغتصبوا تلك الأموال وتركوا أصحابها يشدون الشعور ويلطمون الخدود. والخطير في الأمر أن هؤلاء اللصوص من ذوي الكروش الكبيرة والمناصب الخطيرة وهم أيضا ذوو عقول كبيرة تستطيع أن تكشف ببراعة الثغرات الموجودة في القانون وتستغلها في تحقيق مآربها.
إن السرقة والرشوة والنصب والاحتيال كلها أفعال تحرمها الأديان وتحرمها القوانين الوضعية، ومع ذلك فقد يضطر موظف غلبان الي أخذ رشوة أو تاجر صغير الي التحايل علي رفع أسعار بضاعته أو تلجأ أرملة محتاجة الي السرقة وكلهم مدفوعون بالرغبة في إيجاد رغيف الخبز الذي يسدون به رمق من يعولون. ولكن لماذا يلجأ الكبار الي هذه الجرائم، لماذا يسرقون وينهبون ويرتشون بالملايين؟ لان كيلو اللحم حلواني ثمنه أكثر من أربعين جنيها وصينية عيش السرايا بالقشدة أكثر من خمسين جنيها وقطعة الجاتوه - يا عيني - يفوق ثمنها العشرة جنيهات، وهؤلاء القوم بياكلوا حلاوة، وبياكلوا جاتوه، ياكلوا كل اللي يحبوه، فما المانع ان يأكلوا أموال الناس؟
نقلا عن الوفد |