بقلم: كمال غبريال أولهما سيادة الحكم المستبد، سواء كان حكم فرد أم حزب أم طبقة، ونجاح أقلية كجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، في السيطرة على النقابات والعمل الأهلي، في ظل غياب أصحاب تلك المنظمات، وانصرافهم لمشاغل حياتهم اليومية، وتفشي الجهل بأهمية العمل النقابي والأهلي، ليظهر تشكيل عصابي كالإخوان المسلمين -جيد التنظيم والتمويل المالي- كما لو كان القوة المعبرة عن عموم الجماهير والمهنيين في مختلف التخصصات، فيما هذه الجماعة في الحقيقة أبعد من أن تكون بهذه القوة والقدرة التمثيلية. . الظاهرة الثانية تنتج من قلة عدد الصفوة، أو القلة الناشطة من المجتمع، مما يزيد من احتمالات فشلها في التمثيل الحقيقي للشعب ومصالحه، نتيجة ولعها بالشعارات والأيديولوجيات المفارقة للواقع، والتباري في المزايدة عليها. . علاوة على أنه في ضوء محدودية عدد الصفوة المهيمنة مثلاً على وسائل الإعلام والنشاط الحزبي والثقافي، يكون من السهل على قوى خارجية شراء هذه الأصوات المؤثرة، لتعمل لحسابها ووفق أجندتها هي، وإن صاغت سعيها وفق شعارات تتمسح في الجماهير وثوابتها، أو تتلاعب بمشاعرها الدينية، عبر شعارات براقة خاوية من المضمون، خاصة في ظل انعدام التمويل المالي من القاعدة الشعبية، ولجوء الصفوة لتمويل نشاطها أو للاسترزاق، إلى جهات جهات خارجية تمول ليس بهدف تفعيل وتنشيط العمل الأهلي والديموقراطية، كما تفعل جهات التمويل الغربية، وإنما لحسابات خاصة قلما يعلن عنها. . وهذا ما رأيناه من أسماء لامعة في ساحتنا السياسية والإعلامية، ضمن قوائم فضيحة كوبونات النفط الصدامية، أو في تمويلات ياسر عرفات لأبواقه الإعلامية والسياسية في مصر، وكذا أموال الأخ العقيد ملك ملوك أفريقيا، التي تنفق بسخاء في كل مجال، غير مجال توفير حياة كريمة للشعب الليبي، ناهيك عن الاغتراف من آبار البترودولار الخليجي، وما أدراك ما تأثيره المدمر على مصر التي كانت محروسة، من بوابة تصدير السلفية الدينية، لنبدأ نحن في السير في الطريق الذي تغادره تلك الدويلات والإمارات الخليجية، سعياً للالتحاق بالعالم المتحضر!!. . هكذا تحولت الساحة المصرية إلى سوق للنخاسة أو الدعارة الفكرية والسياسية، وتحولت الصفوة السياسية، سواء المحسوبة على الحكم أو المعارضة، إلى حناجر عروبية ويسارية وناصرية ومتأسلمة، منبتة الصلة بمصالح الشعب المصري وطموحاته، وإن كانت تحترف المتاجرة والاسترزاق باسمه!! هكذا عندما بدأ بعض الشباب المتململ من التردي والركود السياسي، وما ترتب عليه من تدهور في جميع مناحي الحياة المصرية، يرفع مفهوم وشعار "كفاية"، لم يدم استبشارنا خيراً طويلاً، إذ سرعان ما سيطر على المشهد والتحركات، ذات الوجوه الكئيبة المصابة بجنون البقر أو البغال، والمتثمل في العداء للعالم الإمبريالي الصهيوني الكافر. . يصرخون من أجل الأقصى والقدس وغزة والشيشان وكشمير وبلاد تركب الناقة وتشرب بولها، مخلفين وراء ظهورهم معاناة الشعب المصري وهمومه، فكان من الطبيعي أن ينحسر اهتمام الجماهير بها، لتموت وهي على الأرصفة تتسول لفت الانتباه، في حين لم تنجح حقيقة إلا في اكتساب الرثاء لها ولمصر المبتلاة بأمثال هؤلاء، سواء القادة وأصحاب تلك الشعارات والاهتمامات الوبيلة، أو تلك الحفنة التي تعد على أصابع اليد من الشباب الغض، الذي لا يجد قادة ومرشدين غير هؤلاء الذين يسدون عليه كل الطرق والمنافذ إلى الحرية والحداثة والتقدم!!. . هكذا خلت الأرصفة التي يتظاهر عليها هؤلاء حتى من المارة، ولم يتبق حولها غير رجال الأمن المركزي وهم يغالبون النعاس، فيما يحرسون حفنة من ذوي الحناجر المحشوة بشعارات أكل عليها الزمان وشرب!! المثير للحنق بالفعل، هو أن تتحول حركة "كفاية" من حركة لبث الحياة في الشارع المصري، إلى معوق وحجر عثرة في سبيل هذا الحراك، فما نشهده الآن هو قيامها بزعامة الصنديد الميكروفوني/ حمدي قنديل، بالقفز على ظهر حركة الشباب، المناصرة لأمل التغيير المتمثل في مبادرة د. البرادعي، وياليتهم انضموا للمسيرة الوليدة كأفراد مصريين يتطلعون لمستقبل أفضل، أو تسللوا إليها بليل، خشية اكتشاف أمرهم، بل نجدهم يتوهمون في أنفسهم أنهم قوة بالشارع المصري، أو كأنهم بالحقيقة يمثلون ولو شريحة من الجماهير المصرية وهمومها ورؤاها، وليسوا مجرد فلول ضالة من زمن الناصرية، لا أعاد الله مثيله علينا ولا على أولادنا وأحفادنا!! هي مهمة ثقيلة بالفعل ومحيرة لرجل ليبرالي مثل د. البرادعي، فالمفترض أن يعمل على جمع كل أطياف الشعب المصري حوله، أو حول مسيرة التحديث التي يزمع البدء فيها، فماذا يستطيع أن يفعل مع هؤلاء، وهم على الأقل يحملون بطاقة هوية مصرية، رغم رؤوسهم المحشوة تبناً، وقلوبهم المتفجرة غلاً. . الواضح أنهم الآن يترصدونه، حتى إذا ما بدرت منه كلمة أو لفته، تدل على ازدرائه لما يتبنون من هلاوس، وجديته في تأسيس حركة ليبرالية حقيقية تتجه للأمام، وليس لاستعادة زمن الستينات اللعين، فإنهم سيبدأون على الفور في ممارسة النباح عليه، وتوجيه راجمات صواريخهم الكلامية إلى منصته التي لم تقام بعد. . هم يعرفون بالتأكيد أن لا مكان لهم بجانبه، فهو رجل ليبرالي ناجح، ويكفي أنه ناجح كي لا تكون له ثمة صله بهم، وهم المتنطعين الفاشلين على مر العصور. . لكنهم بادروا باستقباله بالأحضان، لعل وعسى. . هي محاولة ربما قالوا لأنفسهم إنها إن لم تنفع لن تضر، وبعدها يطلقون العنان لحناجرهم الكفوءة، لتعمل في الرجل ومسيرته تقطيعاً وتمزيقاً!! مصر- الإسكندرية |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت | عدد التعليقات: ٦ تعليق |