بقلم/نشأت عدلي
لا يمكن يا أحبائي أن يكون صليب بدون جثسيماني، فكل من ارتضى أن يكون تلميذاً للمخلص، فعليه أولاً أن يقتني "جثسيماني" ليمارس صلاة العرق الذي يتصبب كقطرات دم، ليكون على مستوى الصليب.
كلنا أيها الأخوة ذُقنا صلاة التوبة بدموعها الحارقة، ولكن بقيت صلاة لم ينفتح سرها بعد أمام قلوبنا، صلاة جثسيماني، بأعماقها وأحزانها.. فلقد أبقاها المسيح للنهاية لتكون جزء لا يتجزأ من الصليب، ابتدأها يسوع لما دنت الساعة، لما أكملوا المشورة عليه واتفقوا على الثمن وقبض الخائن وتحرك الشامتون والحاقدون، فدخل المسيح جثسيماني ليكسب نفسه في جهاد الصلاة ليواجه الصليب والصالبين.
لقد دخل المسيح في صلاة جثسيماني كما يدخل الإنسان المعصرة، وقد شاهد التلاميذ الأخصاء كيف انعصرت بالفعل نفسه وصار عرقه ممزوجاً بالدم يتقطر على الأرض! ولثلاث مرات، تماماً كالتجربة على الجبل، واجه الرب هذه التجربة أيضاً في صراع مر وجثو الركب حتى التراب، وفي كل مرة يقوم ليوصي تلاميذه بالسهر ليستلموا سر الفداء بكل ما فيه من أوجاع وعناء! ولكنه في كل مرة يجدهم نياماً، لهفي على بطرس النائم والمعلم أمام عينيه يجوز غصة الموت... والشهادة أعدت والشهود، والقتل حللوه بالقوانين والبنود، وتبارى القاتلون وكأنهم يقدمون خدمة لله!!
إن الصلاة في جثسيمانى هي سر النصرة على التهديد بالموت، إذ كيف يخشى الموت مَن بلغ الموت بصلاته، إن الشركة في آلام الرب وأحزانه من جثسيماني حتى القبر عبوراً بكل حوادث الصليب هي أفخر ميراث للذين حملوا همَّ خلاص الشعب، وثقلوا أنفسهم بمصير الخطاة، وهزل جسمهم وطار نومهم من أجل المظلومين والمذلين والمطروحين خارج السياجات، هؤلاء الذين قبلوا شرف تكميل آلام الرب في أجسادهم وفي نفوسهم من أجل الكنيسة.. لهؤلاء أسس الرب منهج جثسيماني في الصلاة.. ولكن أين نحن من جثسيماني وأين جثسيماني من صلاتنا؟... ياويل الكنيسة التي ليس لها جثسيماني.. ياويل الراعي الذي لم يدخل بابها... لذلك فالمفقودون لا يعدون من الكثرة، ولا يوجد حتى من يذرف عليهم دمعة!!،والباقون ليس من يسهر على حراساتهم في أهوال هذا الليل الطويل المظلم... وما فات هين، والقادم أظلم!...
حينما كان الخائن يضع الخطة مع الحاقدين والمتآمرين، كان الرب يصارع في مجاهدة بحزن ومرارة، ساكباً نفسه للموت بعرق كالدم، مع جثو الركب المستمر على التراب ثلاث مرات، هكذا افتتح لنا الرب منهج الإستعداد الفريد بالصلاة التألمية صلاة ماقبل الصليب...
إن الأيام تجري، والأرجل مسرعة، والأمر يحتاج إلى معجزة فائقة، والمعجزات واردة بالإيمان ولكنها تحتاج إلى عمل فائق، جثسيماني لا غير!!! حيث يجوز الرعاة المعصرة وحدهم: "ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا أشفق يارب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار.. لماذا يقولون.. أين إلههم؟؟"
النجاة قريبة وهي بروح الله، ولكن أنَّى لنا بروح الله ونحن لم نتعلم الصلاة، كشرط الرب.. من أين لنا أن نجاهد في صلاة "المعصرة" حيث يمتزج العرق بالدم عن نفوس نحن لا نحس بقيمة موتها أو حياتها؟؟؟ لا يقلقنا خلاصها أو هلاهكها؟؟؟ لا يحس بقيمة خلاص النفس البشرية ولا ينزعج لهلاكها إلا من له روح المسيح، والذي ليس له روح المسيح فالمسيح ليس له... كان المسيح يجاهد في جثسيماني والتلاميذ ينامون لأنهم لم يكونوا قد أخذوا روح المسيح بعد... ولكن أن ننام نحن، ونحن نقول أن لنا روح المسيح... وقد حملنا مسئولية النفوس فهذا أمر لا يطيقه الإيمان...
فإما جثسيماني وإما الهروب في ساعة التجربة...
يا إخوة قد تُفرقنا في أيام السلام المعارف والنظريات؛
وقد تُفرقنا في أيام العمل عظمة الرئاسات والمسئوليات؛
وقد تُفرقنا في أيام الغنائم الأحقاد والمخاصمات؛
ولكن ماذا في أيام المحن والضيقات؟؟ ماذا وشبح الصليب قد ألقى ظله على الأفق البعيد؟؟ فإذا لم تجمعنا جثسيماني ماذا يجمعنا إلا منجل الحصاد!!!! وإن كنا قد أخفقنا في أيام سلامنا في كل شيء، فلا ينبغي أبداً في أيام ضيقنا أن نخفق على باب النجاة!! فجثسيماني حصننا في يوم الصليب! ولكن جثسيماني لا تعفينا من الآلام، ولا تتجاوز لنا الصليب ولا تلغى ضريبة القبر، فالمسيح لم يأخذ في جثسيماني إعفاء من الصليب ولكنه أخذ صكاً بالقيامة!!!
نحن مطالبون إزاء كل مقاومة أن ندخل بستان معصرتنا ونقاوم مع الله في الصلاة حتى الدم......
هذا هو منهج الصليب الذي رسمه الرب بدمه في جثسيماني!! وهو أصلح ما يكون لنا في هذه الأيام.
من كتاب" مع المسيح في آلامه حتى الصليب
جثسيماني: بستان "معصرة الزيت" |