CET 00:00:00 - 24/02/2010

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي
دافعت مصر مؤخرا  أمام المجلس الدولى لحقوق الإنسان بجنيف عن سجلها فى بناء الكنائس مدعية أنه منذ ۲٠٠٥ وحتى ٢٠٠٩ تم إعطاء تصريح وبناء ۱٣٨ كنيسة فى مصر. وأضافت أن ذلك كان فى الوقت الذى لا تقام المساجد بشكل مطلق. كما أشارت إلى أن المجلس القومى المصرى لحقوق الإنسان قدم مشروع قانون دور العبادة الموحد وأن الحكومة بصدد مناقشته وعرضه على الجهات المختصة فى مصر.

واضح مما سبق أن سياسة الحكومة المصرية تجاه الأقباط لم تتغير وهى تستخدم كل حيلة فى جعبتها للإستمرار فيها، من هذه أساليب المراوغة والكذب والمماطلة.  فنجدها هنا تدعى أن بناء الكنائس فى مصر يتم دون حظر وفى المقابل تقول أن المساجد لا تقام  بشكل مطلق. وهى بذلك تريد أن تقلب الموازين فتعطى الإيحاء أن الطرف المسلم هو الذى يعانى الغبن فى موضوع بناء دور العبادة. ثم بعد ذلك تزف لنا بشرى تقديم مشروع قانون دور العبادة الموحد للمناقشة والعرض على الجهات المختصة (لاحظ انهم لم يقولوا إقراره)  وهو قانون من المفروض أن يوحد إجراءات بناء دور العبادة ويساوى بينها فى المعاملة ويصلح أى غبن. وبما أن الطرف المسلم هو الذى يعانى الغبن فىبناء دور العبادة، طبقا لبيان الحكومة، فلك أن تتصور إلى أى جهة سينحاز هذا القانون المرتقب (اذا تم اقراره فعلا).

ولذلك فمن يعتقد أن القانون الموحد لبناء دور العبادة سوف يعالج مشكلة بناء الكنائس هو فى رأيى إما واهم أو مخادع، فالمشكلة أكبر من أن يعالجها قانون. المشكلة هى فى وجود مناخ أفرزته أيديولوجية دينية متعصبة. والقانون الوضعى لن يلغى الغبن طالما هناك اعتقاد بوجود قانون إلهى ينسخ كل قانون وضعى عمله الإنسان.

الذى يحكم بناء الكنائس-يا سادة- هى مبادئ ثابتة فى العقيدة الإسلامية وردت فى القرآن والحديث وتضمنتها الوثيقة العمرية وشرحها بوضوح فقهاء المذاهب الإسلامية الأربعة تحت بند أحكام بناء الكنائس فى ديار الإسلام. ويمكن لمن يريد معرفة تفاصيلها أن يضع هذا الموضوع فى الجوجل ويرى بنفسه.  وباختصار تدعو الشريعة الإسلامية الى تحريم بناء الكنائس الجديدة فى ديار الإسلام وتطالب بهدم الكنائس القائمة أو الإبقاء عليها حتى تتهدم من ذاتها. ولما ظهرت الضغوط العالمية لجأ رجال الإفتاء إلى وسيلة للخروج من المأزق وهو إعطاء ولى الأمر (الحاكم) الحق فى منح المسيحيين تصاريح لبناء كنائس طبقا لإحتياجاتهم. ومن هنا جاء مبدأ ضرورة موافقة الحاكم على تصاريح بناء الكنائس. وحتى بعد أن تم تخويل المحافظين التصريح بترميم الكنائس وبناء كنائس مكان الكنائس التى تهدمت فان الرئيس قد احتفظ لنفسه بحق التصريح ببناء الكنائس الجديدة.  ومن الطبيعى أن يستخدم الحكام المسلمون هذا المخرج بحرص شديد لأنه إجراء إستثنائى يقومون به عن إضطرار وليس عن طيب خاطر.

لو كان القانون الموحد لبناء دور العبادة يعالج المشكلة لكانت المشكلة قد عولجت بعد إصدار القوانين السابقة. وكانت هذه القوانين كلها تبشر فى وقتها بأن المشكلة فى طريقها للحل.

خذ مثلا الخط الهمايونى لسنة ۱٨٥٦ وكان قد صدر بعد ضغوط من الدول الأوروبية على الخليفة العثمانى. كان هذا القانون يضمن للأقليات المسيحية بناء الكنائس فى الإمبراطورية العثمانية بتوقيع الخليفة نفسه على تصاريح البناء أو الترميم. ولكن ما لبث هذا القانون أن اصبح مشكلة بعد أن أصبح الحصول على موافقة الخليفة أوالحاكم على البناء أو حتى على إصلاح بسيط لدورة مياه فى كنيسة يكاد يكون مستحيلا.

ثم جاءت تعديلات على الوضع فى صورة شروط عشرة لبناء الكنائس عملها وكيل وزارة الداخلية العزبى باشا سنة ۱٩٣٤. ومثل سابقتها أصبحت هذه الشروط تعجيزية. وإزداد تعقيد الأمورعندما وضع الملف القبطى كله تحت اشراف الأمن وإشترط موافقة الأمن فى كل مرة تبنى فيها كنيسة.

وأمام شكوىالأقباط والضغوط العالمية المتزايدة. لجأت الحكومة لنفس الحيلة القديمة الجديدة لتخفيف حدة النقد الموجه لها وهو الوعد باصدار قانون جديد أسموه القانون الموحد لبناء دور العبادة. والقانون يوحى أنه سيوحد بين الإجراءات ويلغى أى إحتمال للتمييز بين المساجد والكنائس. ولكن ما مضى من التاريخ يجعلنى غير متفائل بحدوث أى تحسين للوضع.

فى إعتقادى أن نفس هذا القانون سوف يستخدم لتقنين الظلم الواقع على الأقباط فى بناء دور العبادة وذلك بناء على نصوص سيتضمنها القانون يمكن أن توحى بالعدل حسب الظاهر ولكن فى حقيقتها هى ترسيخ واستمرار للظلم.

فلا أشك أن عباقرة التشريع القانونى فى مصر وعلى رأسهم د. فتحى سرور يعرفون كيف يحققون ما يريدون عن طريق التلاعب بالكلمات فى لغتنا العربية الثرية. وعلى سبيل المثال أتوقع أن يشمل القانون الموحد البنود التالية:

أتوقع أن يوضع فى القانون بند يقول أن توفير دور العبادة هى حق لجميع المصريين بغض النظرلإنتماءاتهم الدينية وتصاريح بناء دور العبادة تخضع لإحتياجات الجميع دون تمييز(وهذا جميل).ولكن بعد صدور القانون يتم التلاعب فى احصائيات عدد المساجد القائمة بالمقارنة بعدد الكنائس القائمة. وأيضا يتم التلاعب فى احصائيات نسبة عدد المسلمين بالمقارنة بعدد المسيحيين فى البلاد. وبذلك يتم الإستنتاج أن المسيحيين يتمتعون بأكثر من احتياجاتهم من الكنائس.

أما البند الآخر الذى نتوقعه فى القانون الجديد فهو النص بأن الإجراءات تتساوى فى بناء المساجد والكنائس من حيث ضمان الأمن القومى والسلام الإجتماعى لجميع المواطنين (وهذا جميل). ونتيجة لهذا البند سيتم اشتراط موافقة الأمن (حسب الظاهرعلى جميع دور العبادة)، ولكن فى الحقيقة سوف يكون المتضررون الوحيدون هم المسيحيون فيما يتعلق ببناء الكنائس.

بإختصار، الموضوع يحتاج إلى العلاج من منبعه فى صميم العقيدة الإسلامية. ولكن هذه مناطق ملغومة ثبت لنا أن السلطات لا تستطيع أو لا تريد أن تقترب منها. وحتى تخرج السلطات نفسها من المأزق فإنها ستتظاهر بعلاج الأمر ولكنها فى الواقع ستقدم لنا نفس الوضع القديم الكريه ولكن فى غلافة جديدة جذابة.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق