بقلم: ماجد سمير
أنا ماقبلش أكون إنسان على الهامش
أنا ماقبلش أكون عايش ومش عايش
هذه الكلمات كتبها الشاعر الغنائي عماد حسن، رافضًا أن يكون على هامش الحياة، ومؤكدًا من خلال كلمات أغنيته الشهيرة أنه سيكون فعالاً في كل أمور الحياة..
لكن ما قاله شاعرنا الجميل يختلف تمامًا عن حال عدد غير قليل من المصريين، فعظمهم يسير "بجوار الحائط" بشكل كبير، ومعظمهم لديه أراؤه التي لا يخرجها
أبدًا، ويحتفظ بها دومًا لنفسه، ربما لأنه يعقتد أنه سينال أرباحًا عن كتمانها.
والغريب أن حالة السكوت وحالة الخرس الفكري والصوتي، طبقا لتعريف علم النفس، يلازمان الإنسان المصري ليس في أمور السياسة فقط بل في كل شيء، فكلنا نعرف قصة الرجل الذي ظل في ثلاثينيات القرن الماضي يعشق فتاة ولم يجرؤ مرة واحدة على البوح بمشاعره لها، وظل يمر يوميًا ولمدة سنوات طويلة من أمام منزلها، وكان يقف بالساعات يتـأمل ظلها المتراقص بسبب ضوء الشمعة خلف نافذة غرفتها، وعندما قرر مرة الذهاب صباحًا، عله يرى ملامح وجهها، اكتشف أنه كان مخدوعًا لأن الظل الذي عشقه لسنوات كان ظل "قلة" مياه الشرب.
وتكرر الموقف من جيل إلى جيل دون أي تغيير، ففكرة التعبير عن الآراء تكاد تكون غير واردة من الأساس، وفتى ثلاثينيات القرن الماضي قد ظهرت روحه مرة أخرى ربما في أحد أقاربه، وإن كان أكثر جرأة من جدنا الراحل، فصاحبنا عاشق القرن الحالي ظل لسنوات يكتب لمحبوبته شعرًا دون أن يعرفها بنفسه، فكتب لها قائلاً:
كم كرهتُ الصمت
شعور غريب يمتلك كيانك
كلمات على حافة لسانك
لكنها تموت
عشق مكبوت
أحبك
أتدرينَ ماذا أعني
أحبك
وصمتي يمنعني
فكتب لها عشرات الآلاف من رسائل الغرام، وشعرًا يعبر فيه بأسلوب شيق جدًا عن عشقه لها دون أن يخبرها عن نفسه أو يخطو بشكل فعال نحو الفوز بها،
تمامًا كما نفعل مع الوطن، نعشقه فقط بالأغاني وفي مباريات كرة القدم، ولكن وقت الجد نصمت ونُكتم تمامًا.
أما الرسائل الغرامية، فقد وصلت كلها للمحبوبة التي عشقت الكلمات الرائعة، لكنها لم تعرف من هو العاشق الولهان، ومع الوقت، ارتبطت كلمات الحب الساحرة في وجدانها بمن يحملها بشكل يكاد يكون يوميًا، فباتت تنتظر الخطابات وتتلهف لسماع رنة جرس الباب التي تنبىء بقدوم ساعي البريد ليقدم لها أجمل المشاعر مكتوبة على ورقة بخط رقيق مغلفة في مظروف رائحة الحب تفوح من بين سطوره لتملأ الوجدان، وهكذا ظل العاشق يعيش في الظل وفي النهاية اختار قلبها حامل الرسائل، وذابت مشاعرها عشقا في أحضان "البوسطجي". |