تقديم: نبيل المقدس
هو ليس بصديق لي ... لكن عرفتهُ من شهرتهِ وسط المجتمع الذي يعمل ويخدم فيه ... كنت أتتبع أخبارَهُ ... وفي بعض الأحيان أذهبُ إلي رحلة خصيصاً لأنهُ سوف يكون من ضمن المجموعة التي سوف تتولي قيادة الرحلة . كان شابا وسيما ... ذو مركز وظيفي عال ... لكن كان يحترف قيادة المؤتمرات والرحلات ... من جميع الأوجه ... بالإضافة إلي خفة دمه ... يجعل المؤتمر دائما في نشاط . من الصغير حتي الكبير ... كان دائما رمزا للصبيان والبنات اللآتي في عمر الزهور ... كان الفارس والجنتلمان لكل فتاة ... فهو شخصية ذات مواهب عديدة ... تجده يعزف بمهارة علي الأورج ليقودنا في التسبيح ... تجده يجيد اللعب بالكرة بجميع أنواعها , فكان حلما لكل صبي وشاب... كان يعرض إسكتشات خفيفة بالتعاون مع رفقائه , فأصبح حلما لكل الأسر لكي يقضوا وقتا جميلا بعد برامج العبادة والتأمل ... تجدهُ يجيد الشرح والتأمل حتي كنا نصغي إليه بشوق وبإبتهاج وبإقتناع ... فكان حلما لكل أم أن يصير زوجا لإبنتها .والشيء الذي كان يتميّز به هو ترديده لمثل أمريكي يتكون من ثلاث كلمات [ إحتفظ بشوكتك الخاصة] . وهذه العبارة كان يستخدمها عندما ننتهي من تناول كل وجبة ... فقد كان لا يهدأ له بال ,إلاّ عندما يجد كل فرد فينا قد إستكفي طعامه ... ثم يأتي بعد ذلك وبصوته المُميّز يصيح ويقول [ كل واحد فيكم يحتفظ بشوكته المفضلة] ... وكما علمت أخيرا أنه يعني بهذا التعبير أن هناك شيئ آخر أحلي سوف نتناوله بعد الوجبة الأساسية مثل قِطع من الجاتوهات أو البطيخ أو أي شيء مناسب للحلو . فقد كان مبدأهُ أن تحتفظ بالشوكة لأن الآتي في جميع الأحوال سوف يكون دائماً أحلي وأجمل .
إنْقطعتُ عنهم لظروفي الخاصة ... وعندما عُدتُ بعد سنوات قليلة, سألتُ عنه قالوا لي أنه تزوج وهاجر إلي أمريكا ... طبعا خسارة أن نخسر مثل هؤلاء الشباب النشطاء , فمثل هذا الشاب كان يعطي ثمارا في كل وقت يتواجد فيه.
بعد حوالي 8 سنوات كنت في إحدي ولايات أمريكا , وبالصدفة تقابلتُ معهُ في إحدي الإجتماعات ... وقدمت نفسي لهُ ... فتعرف عليّ بالشبه , وتحادثتُ معهُ حتي قلت له أنا عُمري ما أنسي عبارتك الحكيمة الروحية التي تقول [ إحتفظ دائما بشوكتك المفضلة ] ... فهي فعلا تُشير إلي التفاؤل في حياتنا الروحية والأرضية معاً, فإذ أري الدموع تنهمر من عينيه , وأثناء ذلك أتت فتاة جميلة عرفني بها بأنها إبنته الوحيدة (جاكي)... قلت له : لكني لمحتُ دموعا تنهمر عندما ذكرتك بعبارتك الجميلة [ إحتفظ بالشوكة ... عشان إللي جاي هيكون أحلي وأحسن من إللي فات] ... قال لي : ليس في كل الحالات علينا أن نحتفظ بالشوكة ... إندهشتُ من كلامِهِ ومن هذا التغيير في فكرهِ , وقبل أن أسأله عن السبب أكمل حديثه بدون تحفظ كعادته قائلاً : في إحدي المؤتمرات في القاهرة تقابلت مع محبوبتي ... وكانت هذه العبارة قد لفتت نظرها إليّ , وأحبتني من كل قلبها , حتي أنها تحدّتْ أهلها حيث كانوا من بيت باشوات ... فتزوجتها وكانت (جاكي) التي رأيتها هي ثمرة هذا الحب الذي لم يكتمل الخمس سنوات ... وفارقتنا حبيبتي الغالية إلي السما بعد ما جاءها المرض اللعين ... لكن الذي أثر فيّ جدا هو ما حدث اثناء الجناز وانت تعلم تماما أن العادة هنا أننا نُلبِسْ الذي يفارق الحياة أحلي ما لديه من ملابس وتتم النظرة الأخيرة له من الحاضرين قبل وضعه في المكان الأخير ... وفوجيء المودعون وأولهم أنا ... وجود شوكة طعام تحيطها باقة من الورد علي كتابها المقدس . جميعنا أنتبه لهذه الشوكة لكنهم صمتوا أن يتحدثوا عن سبب وجود هذه الشوكة ليتفادوا أي إحراج لي . .. فقد كانت مفاجأة لي ايضا فقد كنت نسيت موضوع الشوكة , لكنني حاولت أن لا أعير الأمر بالإهتمام لكي لا أزيد من تساؤلات المعزيين والمودعين.
وبعد مراسيم وضعها في المكان الأخير , إذ نسمع الراعي يدعونا قائلاً : أرجوكم قبل ان تذهبوا أود ان أصرح لكم سبب وجود هذه الشوكة التي أخذتها معها ابنتنا ديانـــا. بدأ الحاضرون يرجعون ويلتفون حول الراعي بلهفة المعرفة وبغريزة حب الإستطلاع ... ثم بدأ يسرد قصة الشوكة بأن الراحلة ديانا قد إتصلت به قبل وفاتها بيومين ... وكان هذا اللقاء سري لا يعرفه زوجها وإبنتها جاكي ... فقد قالت له : أرجوك يا حضرة الراعي أن تضع كتابي المقدس معي, ولا تنسي ان تضع معي ( شوكتي المفضلة ) إندهش الراعي من هذا الطلب الغريب ... فقال لها : لماذا تريدين أن أضع شوكتك المفضلة معك ... قالت له: لأن هذه الشوكة هي سبب معرفتي وإعجابي بزوجي الحبيب ... فقد كان من مبدأهُ أن كل واحد يحتفظ بشوكته بعد الوجبة الأساسية لأن الآتي سوف يكون أحلي وأعظم ... وأنا فعلاً ذاهبة إلي الأحلي والأعظم [ إلهاً ومكاناً]... لذلك تمسكت أن أخذ معي الشوكة المفضلة والتي كانت بذاتها هي الشوكة التي إحتفظت بها من أول لقاء معه . ثم ناولتني الشوكة التي كانت تحتفظ بها تحت وسادتها .
ثم أكمل صديقي ... وقال لم أعد أمسك شوكة , لأنني سوف لا أجد أخلص وأحب وأحلي من زوجتي الراحلــــــة ديـــــــانا ....!!!!
تذكرت هذا الحدث , عندما كنت في مكان عملي أحاول البحث عن شوكتي الخاصة لأشارك صديقا لي أحضر معه أكلة خفيفة ... وبعد عناء تحصلت عليها.. فقلت لنفسي فعلا عليّ أن أحتفظ بشوكتي حتي ولو أضعها بجانب عِدة التليفون , فالمكالمة التي سوف تأتي أكيد ستكون أحسن وأجمل من قبلهـــــــــــا!!!
أمـــا أنت يامصــــــر... هل مستقبلك يستحق أن نحتفظ بشوكتنا المفضلــــــة .... أم نلقيهـــــا من الآن في عرض النيــــــل.....؟؟!! |