CET 12:06:39 - 04/03/2010

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
نأتي إلى المقال الرابع والأخير في سلسلة الشأن القبطي من كتاب "سجون العقل العربي" للدكتور الرائع والفذ "طارق حجي", وفي هذا المقال يحاول أن يصل إلى تبصير العيون إلى خطورة تجاهل المسألة القبطية حاثًا على حاجة الأقباط إلى حضن اجتماعي من الدولة ومحذرًا من النار التي تلتهم الوطن ومنبهًا إلى عدم إخفاء أزمة الأقباط والنساء أو تجاهلهما فيقول سيادته:
سمعنا في مقتبل العمر المقولة العربية الصغيرة "معظم النار من مستصغر الشرر".. واليوم: فإن معظم  البلايا من تجاهلها وقت أن كانت صغيرة لا تكاد تلحظ. (المشكلة في رأيي إن الدولة والمتأسلمين يستهينون  دائمًا بالأقباط، فمن ناحية العدد يعتبرونهم قلة ومن ناحية القوة يعتبرونهم ضعفاء).
أننا نطالب العالم بأن يصدق زعمنا أننا ممتازون مع "غير المسلمين" ومع "النساء".. ونستمرئ تكرار ذلك والعالم ينظر لأفعالنا فيجدها عكس أقوالنا كليةً.
وعودة لمسألة أقباط مصر, أقول أن استمرار معظم المسئولين في مصر في تجاهل المسألة القبطية قد يأخذ  مصر لأزمات أكاد أراها في الأفق, وهي تشبه أزمات آخرين في المنطقة سولت لهم أنفسهم من قبل تجاهل بعض المشكلات، وأهمها تجاهلهم لحقائق العالم الجديد: عالم ما بعد نهاية الحرب الباردة.. وهو عالم لن يقنع أحد فيه "فكرة السيادة" بمنطقها ومفهومها القديم والذي أستقر بعقود طويلة قبل أن ينهار سور برلين وتصبح الدنيا غير الدنيا, ويفهم البعض الدنيا الجديدة, ويعجز البعض عن فهم واستيعاب طبيعة وخصائص وكيف وكم ومعاني التغيير.

ولعلي لا أجد شيئًا أختم به هذه الفقرة أفضل من القصة التالية: في حوار عن المسألة القبطية سألني أحد الحضور عن احتياجات الأقباط ومطالبهم فبدأت بالمطلب الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس... وعندما سألني عن المطلب الأول قلت له أن ما يحتاجه الأقباط أولا وقبل كل شيء هو "حضن اجتماعي" بمعني أن يشعروا أن هناك رغبة عميقة في الاستماع إليهم وإلي شكواهم ومشكلاتهم من موقع المحبة والتعاطف  والإيمان بأنهم شركاه في هذا الوطن, وليسوا أقلية من الدرجة الثانية عليها أن نقبل ونقنع بعطايا الأغلبية. ولعلي لا أتجاوز الموضوعية إذ أقول أن دراسة حالة ونموذج سعد زغلول وعلاقته بالأقباط يمكن أن تكون نقطة بداية رائعة لمن يرغبون في حل أصيل وكامل، فقد كان سعد زغلول معبود الأقباط لأسباب عديدة من صناعته وتصميمه هو (لا يجدي هذا الكلام الآن فكان سعد زغلول يملك كاريزما الزعامة ولم يكن في داخله تعصب وكان سلامة الوطن هدفه.. والسمكة تفسد من رأسها).
أما اليوم فإن ملفًا حساسًا مثل ملف الأقباط في مصر بما يثيره من تأزم موسمي في العلاقات المصرية الأمريكية ما هو إلا انعكاس من انعكاسات تفاقم ثقافة التعصب في المجتمع المصري – وعليه فإن علاج الأعراض يكون أمرًا بالغ الخطأ وغير ذي جدوى, فالحكمة تقتضي علاج منبع المشكلة, أي "ثقافة التعصب" والتي شاعت في المجتمع قرابة 50 سنة.

ويقتضي التعامل مع مشكلة بمثل هذا الحجم والخطورة والأهمية والتشعب وجود جهة معينة بالمشكلة وعلاجها كمجموعة تفكير Think-Tank” " بهدف أن تقوم هذه المجموعة  بالاتفاق على السياسات والاستراتيجيات والآليات التي ستستعمل لإحداث التغيير الكمي (التراكمي) في عدد من المجالات الهامة علي رأسها التعليم والثقافة والخطاب الديني في المؤسستين الإسلامية والمسيحية.... وغيرها.
ونظرًا لأن هذه المعالجة ستكون طويلة المدى بطبيعتها فإنه ينبغي أن يسير بمحاذاة هذه المعالجة طويلة المدى تدخل قصير المدى بهدف إحداث علاج فوري لبعض حالات الخلل الناجمة عن التعصب لتكون قدوة علي المدى القصير تساعد برنامج المدى الطويل –على أن تكون الاعتبارات الموضوعية هي أساس هذه التدخلات مثال: كأن يتم اختيار عدد من الأقباط لشغل مواقع بارزة لا لكونهم أقباطًا ولكن لكونهم الأكثر كفاءة في تلك المواقع في نماذج واضحة لإبراز مرجعية "المواطنة "قبل أية مرجعية أخرى.
ويمكن أيضًا تفعيل عدد كبير من تدخلات المدى القصير بمحاذاة آليات المدى الطويل بهدف تشجيع وترسيخ روح عامة مناهضة للتعصب مثل وضع قواعد جديدة لإنشاء دور العبادة وإعادة تفعيل دور وزارة الهجرة بهدف إنشاء ديالوج إيجابي جديد مع المصريين بالخارج يقوم علي الحوار الذي يهدف لاستئصال ثقافة التعصب من كل جوانب المجتمع المصري.

آليات التعامل:
يمكن تصور عدد من الجهات  "المجموعات" التي تعمل علي تقليص روح أو ثقافة التعصب وإشاعة روح وثقافة مختلفة تقوم علي عدم الخلط بين التمسك بالدين آيًا كان وبين التعصب –ونظرًا لأن لهذا الغرض مجالات مختلفة فانه يتصور وجود مجموعات عمل لا تقل عمّا يلي:

ا-مجموعة تعليم:
وهدفها وضع السياسات والبرامج الكفيلة بغرس قيم التسامح والتعددية وقبول الآخرين في الاختلاف والتواجد وتأصيل هذه القيم كقيم تستمد جذورها من الأديان السماوية نفسها ومبادئ الأخلاق والمدنية.

ب-مجموعة الإعلام:
وهي المجموعة التي يمكن أن يكون لها تأثير سريع وملموس علي المدى القصير والمتوسط نظرًا لما لوسائل الإعلام من قدرة عالية علي التأثير في مجتمعنا، وتقوم هذه المجموعة أيضا بوضع التصورات الأساسية للسياسات والتوجهات التي تمكن وسائل الإعلام من غرس وتأصيل قيم التآخي  والسماحة والتسليم بأن الاختلاف والتعدد من سمات الحياة الإنسانية ومحارة التعصب والتطرف بشكل عام.

ج- مجموعة الخطاب الديني "الإسلامي والمسيحي":
لا شك  أن الخطاب الديني "الإسلامي والمسيحي" ذو تأثير بالغ علي العقول والرأي العام في المجتمع المصري, لذلك ينبغي وجود مجموعة خاصة لوضع سياسة عامة "ثم تفصيلة" للخطاب الديني بهدف نزع بذور وأسس التعصب من الخطاب الديني ذي التأثير الواسع للغاية علي الرأي العام في مصر.

د- المجموعة الثقافية:
رغم أن أثر "العمل الثقافي" في مصر أبطأ وأقل وضوحًا من العمل التعليمي والإعلامي إلا أن قطاعات الثقافة المختلفة هي التي تؤثر "في الذين يؤثرون في الناس" لذلك ينبغي وجود خطط قصيرة المدى لتوظيف الثقافة لمحاربة قيم التعصب في المجتمع.
ملحوظة: حرصت علي إبداء الرأي على  بعض كتابات الكاتب المحترم ووضعته بين قوسين.

لقراءة الجزء الأول من المقال انقر هنا

لقراءة الجزء الثاني من المقال انقر هنا

لقراءة الجزء الثالث من المقال انقر هنا

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق