محمد السباعي
شهد الأسبوع الماضي، زيارة الرئيس الصيني زي جينبينج لفرنسا، وخرجت كل الصحف الفرنسية، على اختلاف توجّهاتها، بعناوين على صدر صفحاته الأولى، ترحّب بالرجل وتهلّل له، وتغنّوا به، وبأوصافه، لدرجة أن صحيفة لوموند اليومية وجدت في نفسها قدرًا كافيًا من الوقاحة والوضاعة والانحطاط، لتسبغ عليه صفات إلهية، وتُفرد له مقالاً بعنوان«XI Jinping,Le tout puissant، وترجمتها «زي جينبينج.. سبحانه وتعالى»أو« زي جينبينج العلي القدير»!
لا أستغرب هذا في بلد نصّب نفسه المدافع الأول عن الحريات، وبمعنى أدق عن المتناقضات، فباسم حرية التعبير في فرنسا، يمكنك أن تقف في الشانزليزيه بيافطات، بل وتؤلف مجلدات تسب فيها الذات الإلهية والأنبياء والرسل أجمعين، ولكن مصيرك سيكون غياهب السجون، لو تفوّهت أن هتلر قتل 6 ملايين إلا ربع بني آدم في مذابح الهولوكوست.
لم تجرؤ صحيفة فرنسية واحدة على القول إن من يتفوه بكلمة عن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، يكون مصيره الذهاب إلى ما هو أبعد من الشمس، وإن المظاهرات السلمية عقابها الرصاص الحي في الرأس والصدر مباشرة، ولا يمكن أن تحصل أسرة القتيل على جثة ابنها إلا بعد دفع ثمن الرصاصة التي قُتل بها، ولم يملك الرئيس الفرنسي من الجرأة ما يسأل به نظيره الصيني عن قمع سلطات بكين لـ20 مليون نسمة في إقليم تركستان الشرقية، أو عن عشرات الآلاف من سكان إقليم التبت المعتقلين في معسكرات تعذيب تابعة للجيش الصيني، لم يلتفت فرانسوا أولاند لشيء من هذا، وذهب ليستقبل الرئيس الصيني في المطار استقبال الفاتحين، وكان ينحني أمامه بمعدل 10 مرات في الدقيقة، إمعانًا في التذلل وإظهار الخضوع والامتثال لرجل جاء ليوقع عقودًا تجارية بـ180مليار يورو.
الغريب أنه في نفس العدد الذي وصفت فيه الصحيفة الفرنسية الرئيس الصيني بالإله، كانت الافتتاحية مخصّصة لوقاحة من نوع آخر، إذ أعطى رئيس تحريرها لنفسه الحق في أن يتدخل في شأن مصري داخلي، حيث جاء مقاله بعنوان مصر..زمن استعادة الوحشية ، في إشارة للحكم الغيابي الصادر على 529 إرهابيًا بالإعدام، بعدما ثبتت إدانتهم بالقتل والحرق والتخريب والفساد في الأرض.
المفارقة أن زيارة الرئيس الصيني لباريس تزامنت مع الذكرى الخامسة والعشرين لأحداث ميدان تيانانمينن، حيث قامت دبابات الجيش الصيني بسحق عظام طلاب جامعيين، طالبوا بإصلاحات سياسية، وليس حرق وتخريب منشآت ودور عبادة، وذبح جنود الجيش والشرطة، كما حدث ويحدث، من سيناء للشرقية للقاهرة للمنيا للمنصورة للإسماعيلية، كما تزامنت الزيارة مع مظاهرات نظّمها لاجئون يعيشون في باريس، ويتبعون لجماعة الإخوان الإرهابية، أمام مقر وزارة الخارجية الفرنسية، للتنديد بالحكم الصادر ضد إرهابيي مطاي، وكانوا يردّدون شعارات تطالب الجيش الفرنسي بالتدخل في مصر، على غرار تدخّله في إفريقيا الوسطى، وهو ما يعني أن الإخوان والفرنسيين يسجدون لإله واحد!
أود فقط أن أذكّر الفرنسيين أن إرهابيًا اسمه محمد مراح، وهو فرنسي من أصول جزائرية، كان يقيم على أراضيهم، أعطى لنفسه مبررًا أخلاقيًا لسفك دماء الأطفال، من خلال تفسيره المريض لآيات في القرآن الكريم، فقتل في مدينة تولوز الفرنسية في مارس 2012 سبعة أشخاص، بينهم طفلان في سن 4 و5 سنوات، ثم قتلته الشرطة الفرنسية في أثناء مطاردتها له، وخرج والده بعدها عبر وسائل الإعلام، ليؤكد أنه سيقاضي الداخلية الفرنسية، لأنه كان بإمكانها أن تقبض على ابنه الإرهابي حيًا، فردّ عليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في ذلك الوقت بالقول: اخرس أيها الوقح، لو كنت مكانك لشعرت بالعار، والتزمت الصمت ما تبقى لي من عمر .
نقلآ عن مبتدأ |