يحيى الجمل
هل يمكن أن يكونوا قد شربوا مرة من ماء النيل؟ هل يمكن أن يكونوا قد سمعوا عن رجل اسمه جمال عبدالناصر وعن السد العالى؟ هل يمكن أن يكونوا قد رأوا الفلاح المصرى والأرض الطيبة وهل سمعوا «السواقى وهى تنعى من كام ألف سنة»؟ هل يمكن أن يكون هؤلاء قد استمعوا إلى أم كلثوم تقول «مصر التى فى خاطرى وفى فمى أحبها من كل روحى ودمى»؟
هل يمكن أن ينتمى أحد من هؤلاء إلى تراب هذا البلد الذى أخذوا على عاتقهم مهمة تدميره. وليتهم يدمرونه لحسابهم وإنما هم يدمرونه لحساب المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية على الشرق الأوسط التى بدأت بالعراق وتريد أن تصل إلى مصر وأن تمزق الخليج؟
هل لا يدرك هؤلاء أنهم «يُستعملون» وهم لا يعلمون ضد بلدهم وأرضهم وحياتهم ومستقبلهم؟
هل من مصلحة مصرى عاقل أيا كان انتماؤه أن تتوقف الدراسة فى أغلب الجامعات، وأن تخرب جامعة الأزهر، وأن يصبح الاقتراب من أى جامعة مثيراً للرعب بدلا من أن يكون مثاراً للأمل والأمان والمستقبل؟
وهل يتصور عاقل أن جامعة القاهرة التى مضى على نشأتها أكثر من مائة عام، والتى أضاءت كل جوانب الوطن العربى تقذف عليها قنابل ومفرقعات ترعب البلاد والعباد وتخيفهم من الاقتراب عن «قدس الأقداس» من كعبة العلم – بعد الأزهر – فى الوطن العربى كله؟
وما ذنب رجال الأمن كبيرهم وصغيرهم الذين قتلوا أمام الجامعة وفى أماكن أخرى عديدة.. ما ذنبهم؟ هل ذنبهم أنهم يحموننا ويحققون لنا الأمن والأمان؟
هل يتصور أحد أن مواطناً مصرياً عاش على هذه الأرض الطاهرة يدنس هذه الأرض ويحرقها ويطفئ شموع النور فيها لقاء دريهمات مهما بلغ حجمها.
هل يباع الوطن بكنوز الأرض كلها؟ وماذا يبقى بعد أن يضيع الوطن؟.
تقديرى أن هؤلاء العملاء الخونة لا ينتمون إلى دين ولا ملّة. إن الدين فى جوهره محبة. كل الأديان محبة وبالذات المسيحية والإسلام. وهل من المحبة أن تدمر الأوطان؟
أحياناً أجد نفسى فى حالة عجز عن أن أفهم ما يجرى فى مصر، وفى كثير من أجزاء الوطن العربى ومع ذلك فإننى أحاول أن أتأمل، وأن أفكر فيما يجرى على أرض بلدى الذى عشقت ترابه وأحببت ناسه منذ أن كنت طفلاً صغيراً فى قرية صغيرة من قرى مصر فى وسط الدلتا.
وأحيانا بل وكثيراً ما أفكر فى المستقبل الذى ينتظرنا.
عندى يقين أن مصر ستتعافى. وأن هذا الشعب الذى عاصر التاريخ منذ كان التاريخ هو شعب حضارى وليس شعباً هداما من أجل الهدم وبدافع العمالة والخيانة وأن هذه الحفنة من العملاء الذين يقبضون أجراً بخساً لكى يحققوا أحلام مؤامرة الشرق الأوسط الجديد الذى تخطط له إسرائيل وخلفها أنصارها فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى بعض بلدان أوروبا – عندى يقين عميق أنهم لن يصلوا إلى هدفهم وأن كيدهم سيرتد إلى نحورهم. إن هذا الشعب الحضارى وأن جيشه الوطنى الذى لم يأخذ أبدا موقفا ضد وطنه مصر وأن رجال الأمن – وبالذات فى الفترة الأخيرة – جميعاً أصبحوا أكثر وعياً وأكثر تقديراً للمسؤولية.
استمع إلى المستشار الفاضل عدلى منصور رئيس الجمهورية وهو يتكلم– بغير غرض ولا هوى ولا رغبة فى الاستمرار فى المنصب – يتحدث تدرك مدى وطنيته وإخلاصه وحبه لهذا البلد وبعده عن الهوى والمآرب.
واستمع إلى المقاتل إبراهيم محلب يطوف أرجاء البلاد محاولاً التعمير ما استطاع إلى التعمير والبناء من سبيل.
واستمع إلى قائد الجيش الذى استقال لكى يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية تحس فى كل نبضاته وكلماته بعشق مصر وحب مصر وأهل مصر والحرص على كل ذرة من ترابها وتحس فى شخصيته وفى كلامه – كما قلت أكثر من مرة «بكاريزما» عبدالناصر ودهاء «السادات». والأمران مطلوبان. ومطلوب معهما وقبلهما وبعدهما أن يدرك شعب مصر كله أن يداً واحدة لن تستطع أن تبنى هذا البلد بعد كل هذا الخراب الذى لحقه على مدى قرابة أربعين عاماً وأن كل مواطن يحب هذا البلد مدعو إلى المشاركة بالرأى والعمل والجهد الجهيد.
إنها مصر.
إن مصر تستحق منا جميعاً أن نعطيها وأن نرد لها بعض بعض ما أعطته لنا.
وسينصر الله مصر وستخرج من محنتها قوية عزيزة.
علينا أن نعمل ثم نعمل ثم نعمل فى كل المجالات.
إن العّالِمَين اللذين كرمتهما البطريركية الأرثوذكسية واللذين كتبت عنهما من قبل فى مصر منهما كثير، وعلينا أن نعطى القادرين على العمل الفرصة للعمل والعطاء.
مصر تدعوكم فلبوا النداء.
مصر تدعوكم فلبوا النداء.
قلبى ينفطر عليك يا حبيبتى مصر. ليت كل مصرى يحبها حبى لها.
أنا واثق أن كل مصرى يحبها مثلى وأكثر وأن مصر ستعبر إلى المستقبل بهمة أبنائها وجيشها وأمنها ورعاية الله.
والله المستعان.
نقلآ عن المصري اليوم |