CET 00:00:00 - 08/04/2009

مساحة رأي

بقلم: محمود الزهيري
(العنصرية مرض في النفس والروح يقتل أكثر من أي وباء آخر).  نيلسون مانديلا
اعتدنا الهزائم النفسية فتقبلنا الهزائم العقلية بجدارة.. لم نستطع أن نقبل أنفسنا حين نفتش عن الآخر الداخلي الساكن فينا.. ذلك الآخر الداخلي الرافض لذواتنا.. والكاره لنفوسنا.. فكيف بنا أن نقبل بالآخر الخارجي؟!!
لم ننفعل للحقيقة التي اعتدنا تغييبها إذا وجدناها أو إذا تعثرت فينا بلا قصد أو إرادة وإنما انفعلنا للوهم وانتصرنا للتوهم.. لم نبحث عن أسباب التخلف والجهل ولم نُعر اهتماماً لقضايا الفقر والمرض ولم تشغلنا قضايا الفساد والاستبداد, لم نهتم للأسئلة الحقيقية فهي لا تشغلنا وإن شغلتنا لا نجد لها إجابات.

الذي يشغلنا هو الهوية الدينية المجانية التي لا تحمل تكاليف فهي في حد ذاتها ورثناها كما ورثنا عن الأباء والأجداد والأسلاف مواريثهم وعجزنا عن إضافة ما يخدم الإنسان إلا الإنسان الذي ينتمي فقط لذات الهوية وهذه هي الأخرى قد فقدناها والصراعات داخل الهوية الدينية المجانية الواحدة والمذهب الواحد دليل على ذلك.
الكلمة في العالم العربي بتخومه الإسلامية فقدت مسئوليتها الاجتماعية وتم اختزالها في مفردات بسيطة في نطقها اللغوي, وتنطوي خطورتها في مدلولاتها الدينية لأن المسئولية الاجتماعية بأبعادها المواطنية تحولت إلى إرادة الرفض للآخر في العقيدة فتحولت الكلمة إلى سهام قاتلة بقذيفة الكفر ورصاصة الفسق أو قنبلة الردة وصاروخ الحرابة, وهذه الأسلحة تعود لترتد بالهلاك على المجتمع وتقسمه إلى فرز طائفي مبني على التمييز بين أبناء المجتمع وتحويله كله إلى آخر يتحارب مع الآخر.

ما حدث مع الدكتورة بسمة موسى ومع بعض البهائيين في مصر وعلى مشهد ومسمع من الجميع في مصر ومعظم المشاهدين وعلى الرأس منهم النظام الحاكم وأتباعه في سلطة الحكم الاستبدادي المسيطر على أجهزة الإعلام والمؤسسات الدينية الموظفة للتخديم على بقائه واستمرار منظومة الاستبداد، فهذا المجتمع على استعداد أن يتعامل مع الصينيين الذين يجوبون المدن والقرى المصري لعرض بضاعتهم وترويج تجارتهم ولا يسأل هذا المجتمع عن ديانة هؤلاء الصينيين بل يقابلهم بترحاب وبشاشة ولا يسأل عن دينهم أو معتقدهم, وكذلك مع السياح الأجانب يتم فعل نفس الأمر وقد يكون هؤلاء الصينيين من عُبّاد بوذا أو ذدرادشت أو كونفوشيوس أو من الذين بعبدون البقر أو الفئران أو الصراصير ولا يؤمنون بدين سماوي من الديانات الثلاث ومع ذلك يقبلهم المجتمع ويرحب بهم.
ولكن مع مَن هم مصريين يحملون هموم الوطن ويتألموا لألم المواطن من مثل الدكتورة بسمة موسى يُقابَلون بالتهديد بالنفي والطرد والوعيد بالقتل, لماذا؟؟ لأنهم لا يدينون بدين الأغلبية, فكان عليهم إما أن يكونوا مسلمين أو منافقين.. فهذا ما تربى عليه المجتمع المأزوم الذي لا يقبل منك أن تكون غير مؤمناً بديانته أو بمعتقده ولكن يقبلك منافقاً!!

المرعب في الجريمة هو وجود صحافي يقوم بدور الحسبة الدينية المختلطة بالحسبة السياسية وتوظيف مسئول حزبي ينتمي للحزب الحاكم في مصر ووجوده على رأس تنظيم من شباب الجامعة وقيادتهم لبعض الأهالي من تلك القرية وتعديهم على البهائيين وطردهم من مساكنهم إلى حيث يكون مثواهم هو المجهول تحت دعوى الكفر والردة والخيانة والعمالة لإسرائيل والصهيونية العالمية وكأنهم ليسوا بمواطنين مصريين يحكمهم دستور وقانون مغيبين بإرادة سلطة الاستبداد!!
صناعة الفتن الطائفية واختلاق الأزمات الدينية والعقيدية أمر موكول بحسم إلى منظومة الاستبداد, فكلما يقع النظام الحاكم في أزمة أصطنع أزمات للمدارة على أزماته أو صرف الأنظار عن خيباته المتلاحقة التي دمرت المواطنين وأذلّتهم وأفقرتهم وأمرضتهم وجعلتهم يتيهوا في دروب الفساد والاستبداد وكان الدين والوطن هما درعي حماية النظام الاستبدادي داخلياً.
وخارجياً: هناك درع آخر يحتمي به نظام الفساد والاستبداد هو التلويح بالاتهام بمناصرة إٍسرائيل وتأييد الصهيونية ويستتبع ذلك الاتهام بالخيانة والعمالة في حين أن النظام الحاكم هو من يبيع الوطن ويوظف الدين لصالحه بتأميم المؤسسات الدينية واحتكاره لها وحده وهو في ذات الوقت مَن تربطه بإسرائيل شراكة إستراتيجية تكاد تصل لقيام إتحاد كونفيدرالي بين الدولتين ويتخذ المسألة الإسرائيلية درع حماية له بتزكية العداء من جانب الشعب وإظهار الولاء منه للدولة العبرية!!

استخدام الدين وتوظيف المشاعر الدينية ليس من وظيفة الفقراء والمرضى والمعدمين وليس منوط القيام به من الجهلاء والدهماء والسوقة من أبناء الشعب المأزومين برغيف الخبز الذي حلت مصيبة الحصول عليه بسهولة ومن هذا هو حاله يصبح الدين لديه أمر فردي وشأن خاص به.
أما من له مصالح في الاستمرار في منظومة الطغيان والقتل والاستبداد للتخديم على مصلحته فلديه مكنة خلق الجماعات الوظيفية التي تخلق التوترات وتزيد من نبرة العنصريات الدينية والعقيدية وحتى صناعة الأزمات السياسية ليبقى المجتمع في حالة احتراب داخلي ليحصل النظام الحاكم على مصلحته في البقاء والاستمرار في منظومة الطغيان وحلفاء الطغيان لرعاية مصالحهم فقط على حساب حالات الاحتراب الداخلي المصنوعة على عين سلطة الطغيان والقتل.
في مجتمعات الطغيان والقتل والاستبداد يصبح المخالفين لهذه المنظومة أقلية سواء كانت دينية أو سياسية, والأزمة ليست في البهائية أو البهائيين وإنما على نفس الخط هي أزمة المسيحيين والقرآنيين والشيعة وهي أزمات مصطنعة في مجتمع مأزوم يسعى النظام الحاكم لتأليب أتباع الأغلبية الدينية ضد الأقليات الدينية سعياً للتغطية على جرائم النظام الحاكم ضد المجتمع.

من أدوات أنظمة الفساد والاستبداد التي يتم توظيفها الآلة الإعلامية الجبارة التي أصبحت تسير على خط متوازِ مع الآلة الدينية الممثلة في الهيئات والمؤسسات الدينية المؤممة, والآلة الأمنية المنتهكة لحرمات وحريات المجتمع والموظفة كمثيليها في المؤسسات الإعلامية والدينية.
غالبية البرامج الحوارية التي تتم إذاعتها عبر وسائل الإعلام هي برامج معدة سلفاً ومعدوها ومقدموها من أتباع تلك الأنظمة الضليعة في صناعة الأزمات وخلق الفتن وصناعة بؤر الاحتراب الاجتماعي من خلال تلك البرامج التي تضر بمفهوم المواطنة لصالح العنصرية الدينية بأبعادها الوظيفية.
كيف يكون هناك إعلام مستقل ومؤسسات دينية مستقلة وجهاز أمني مستقل بل ونظام قضائي مستقل في ظل دولة مركزية شمولية تسعي لتفكيك المجتمع لاستخدامه كقطع غيار لإصلاح ما ترى إصلاحه وترك ما قامت بتفكيكه حسب إرادة منظومة الدولة المركزية الشمولية التي حررت الاقتصاد وأممت الصحافة والإعلام والمؤسسات الدينية؟!!
تظل الأزمة قائمة بغياب منظومة الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان انتظاراً لمصائب جديدة ضد المسيحيين أو القرآنيين أو الشيعة أو أي أقلية دينية أو عرقية أخرى ليبقى النظام الحاكم محافظاً على أهداب الدولة المركزية الشمولية الاستبدادية مستعيناً في ذلك بأجنحة الإسلام السياسي والأجنحة القومية العروبية ومستخدماً الصراع الإسرائيلي والعداء للدولة العبرية درعاً واقياً للحفاظ على وجوده فقط، وليذهب المجتمع إلى الجحيم إن شاء أن يذهب وإن لم يشأ فليرضى صاغراً ذليلاً لإرادة الطغيان والقتل والاستبداد.

فهل القضاء الوطني في ظل هذه الأوضاع قد يكون له دور؟
أم أن القضاء الدولي من الممكن أن يكون له دور تجاه تلك الجرائم المرتكبة في حق هذه الأقليات؟!!
الأمر متروك لمن هو مهموم بالمواطنين قبل الأوطان ولمن هو مأزوم بقضايا الإنسان قبل الأديان!!
أم أن قضايا القتل المعنوي للآخر ستسمر في حق أبناء المجتمع لتقوية البنيان المادي لأنظمة الفساد والاستبداد والقتل والطغيان على حساب هذا القتل المعنوي الذي من الممكن أن يتحول لقتل حقيقي كما حدث في العديد من المواقع؟!!
وهل سيتكرر نموذج القتل المعنوي لآخرين كما حدث للدكتورة بسمة موسى؟!
الأيام شاهدة والمستقبل مليء بالمفاجآت.

محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق