بقلم: نشأت عدلي
ها هو آخر أسبوع لك على هذه الأرض.. فقد اقتربت نهايات الأمور.. بعد أن غيّرت كل المفاهيم العقيمة.. وها هم الكتبة والفريسيين يثيرون الزوابع على تعاليمك.. لم يصدقوا أنك أنت الإله.. ولن يصدقوا.. يحيكوا المؤمرات في البيت الذي بنيته لهم لكي يعبدوك فيه.. وأنت دائماً صامت.. وديع.. هادئ في كل عظاتك.. في كل مجادلاتهم.. لم تسب أحداً منهم.. أو تنفعل على أحدٍ منهم.. بل بالحب كنت تجمع خرافك.. كنت أراك يا إلهي.. دائماً تجمع الكل وتحتضنهم.. تعلم وتعظ وترشد.. لم تكن تفرق بين الذين معك أو الذين ضدك..
وها هي بداية النهاية تقترب.. وبعد ثلاث سنين من المعاناة والمعجزات.. تكلمت عن سر مشيئتك.. للكهنة والفريسين.. أنك تريد أن تجمع المتفرقين إلى واحد.. "كم مرة أردت أن أجمع أولادك.. ولم تريدوا.. (لو 13 : 34)".. ولكنهم لم يستمعوا لصوتك.. فصببت ويلاتك عليهم.. وقد أصابتني اللعنة أيضاً لأني جمعتهم على أرضي..
وهذا اليوم أنت ذاهب لتضع سر الإنتقال من القديم للجديد.. تذهب لتقيم النفس التي أنتنت من الخطية.. منذ زمن بعيد.. واليوم تقيمها من هذا الموت.. نفس لعازر التي بكيتها.. وأنا ليس لي من يبكيني.. ياليتني كنت ميتك اليوم لتبكيني..
وها أنت تدخل أرضي.. فاستقبلك الكل باالزعف وفرش الثياب حتى لا تطأ قدمك تراب الأرض.. ولكنهم سريعاً ما انقلبوا عليك.. ومع ذلك ظل الحب بداخلك.. وانت تنثره على كل السامعين.. وأنا أورشليم طوال هذا الأسبوع.. حائرة.. خائفة.. قلقة على الابن الذي عرف زمان إفتقادها..
تحاول أن تُفهم الكهنة والفريسين أن هذا هو ابني.. الذي جاء إليكم ليهديكم إلى الملكوت.. ولكن هيهات.. فسار يسوع وحده..
رأيته عندما جاع وجاء لشجرة التين يطلب منها ثمراً.. ليشبع نفسه الجوعى إلى فضيلتنا.. يطلب منها ثمر أعمالنا.. أو يترجى ثمراً.. فلم يجد.. وبعد أن أمهلها كثيراً.. وراعاها أكثر.. قال لها لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد.. وخزيت أرض أورشليم.. من الشجرة الخضراء شكلاً ولكنها بدون ثمر!!..
وتسير أورشليم هذا الأسبوع مع ابنها تسجل وتكتب.. بل وتنحت على قلبها كل لمحة من لمحاته.. تعيش معه كل آلامه..
شهدت أورشليم معصرة الدم.. جثسيماني.. رأت يسوع وهو جاثي الركب.. يصارع في الصلاة.. لكي يعلمنا كيف تكون الصلاة.. ومن الغرائب.. أن يسوع يجاهد في جثسيمانى.. ويهوذا مع الكهنة ليبيع سيد المسكونة بثلاثين من الفضة.. وأنا أورشليم.. صامتة حزينة على من يخون وبثمن بخس.. أقف حائرة.. أريدك أن تتسيد عليّ لكي لا أنال لعنتك..
ولكن كهنتي اجتمعوا وقرروا وأخرجوا قضيتك أنك مستحق الموت.. وها أنت تسير متثاقلاً على أرضي.. حاملاً صليب يزحف عليها من الألم والخطية.. تسير في حواريّا التي امتلأت من دمائك.. وصوت السياط يلهب أجوائي..
ومددت يديك على الصليب وكأنك تحتضني.. فاحمرت سمائي.. وزلزلتها البروق.. ونزفت بأمطارها.. فسالت عليك ومعها دموعي.. التي شققت الأرض وشقت حجاب الهيكل.. فغابت شمسي واختفى نهاري. |