CET 00:00:00 - 13/03/2010

مساحة رأي

بقلم: منير بشاى
يبدو أن عادة مصر في اضطهاد الأقليات الدينية والعرقية التي تعيش في وسطها قديمة قدم التاريخ.. والكتاب المقدس يتحدث في سفر الخروج بإسهاب عن المعاملة القاسية التي لاقاها بنو إسرائيل خلال وجودهم في أرض مصر، فيقول "فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف ومرروا حياتهم بعبودية قاسية" (خروج ١:۱٣ و ۱٤).. ولكن في المقابل يذكرالكتاب المقدس أن الله كانت له طريقته الخاصة في تحويل هذه الإساءات إلى فوائد فيقول عن بني إسرائيل "حسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا" (خروج ۱:۱۲).
هذا المبدأ الإلهي في حماية شعبه وتحويل الشر الموجه ضدهم إلى خير نجده واضحًا أيضًا في خلال كل مراحل تاريخ الأقباط.. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن أريد أن أشير هنا إلى  مثالين:

المثل الأول: أفادونا عندما اضطرونا إلى التكلم باللغة العربية:
عندما جاءت جيوش الغزو الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي، كان واضحًا أن الغرض لم يكن تحرير الأقباط من عبودية الرومان، أو حتى مجرد نشر الدين الإسلامي بين المصريين، وإلا لكانوا قد عادوا من حيث جاءوا بعد تحقيق غرضهم.. ولكن الهدف المؤكد كان احتلال مصر والاستيلاء على خيراتها ومحو هويتها وإضافتها كإقليم تابع للامبراطورية الإسلامية.. ومن أساليب محو هوية الأقباط كان القضاء على لغتهم القبطية وإجبارهم على تعلم اللغة العربية.

استغرقت هذه العملية عدة قرون، وبدأت بتعريب الدواوين الحكومية في عصر الخليفة الوليد بن عبد الملك الأموي (سنة ٧٠٥– ۷١٥ ميلادية).. أما الضربة القاضية للغة القبطية وللتحويل الكامل للغة العربية، فكانت في عهد الخليفة الأموي الحاكم بأمر الله (سنة ­­ ٩٨٥- ۱۰٢١ ميلادية) الذي أصدر أوامره بوقف استخدام اللغة القبطية في التعامل، وقيل إنه أمر من يضبط بتكلم اللغة القبطية أن يقطع لسانه.
اضطر الأقباط كارهين أن يتعلموا اللغة العربية.. ولكن رب ضارة نافعة، وكل ما يُعمَل يُعمَل للخير.. فقد أجاد الأقباط اللغة العربية وتفوقوا في فقهها.. وأصبح منهم الشعراء والأدباء والكتاب المشهورون.. وإلى جانب إسهاماتهم الأدبية، ساعدتهم هذه المهارة في دراسة العقيدة الإسلامية والغوص في المراجع الأصلية الإسلامية لكشف ما هو مستور فيها عن عامة الشعب.
والخير الذى نتج عن هذا الاختبار المريرعلى أقباط مصر قد حدث عندما أصبح الأقباط اليوم على رأس العارفين بالإسلام ليس فقط عن طريق الاحتكاك العملي بالإسلام والمسلمين، ولكن عن طريق البحث والتنقيب في مراجع لا يقرأها الإنسان العادي حتى من بين المسلمين..
والعالم الخارجى يدين لأقباط مصر بالفضل الأكبر في مجال توضيح حقيقة الدين الإسلامي للعالم وكتابة المجلدات التي تتناول الدفاعيات في هذا الموضوع.

المثل الثاني: أفادونا عندما اضطرونا الى الهجرة:
منذ قيام حركة الضباط سنة ۱٩٥٢والهدف كان واضحًا وهو أسلمة مصر.. فلم يكن ضمن قادة الحركة مسيحي واحد.. وبمرور الوقت، تغلغلت عمليات الأسلمة في كل مرافق الحياة المصرية، وأحس الأقباط بأنهم معزولون محاصرون وغرباء في أرض آباءهم وأجدادهم.. استولت الحركة على ثروات الأغنياء منهم وأغلقت الفرص أمام البقية في التوظف والترقي، وعندما لجأ عبد الناصر إلى الدول الاشتراكية للاستقواء بهم ضد الغرب المسيحي، وتبنى النظام الاشتراكي في الحكم، فتحت الدول الغربية الباب لمن يريد أن يهاجر إليها من المصريين.. ووجد الأقباط هذه الفرصة سانحة للهروب من الضيق الذي يعانونه ولتحقيق الحرية الدينية والرخاء الاقتصادى لهم ولأولادهم والتي حرموا منها في بلدهم.. وقد هاجر الكثيرون من الأقباط إلى كل بلاد العالم حيث يبلغ عدد المهاجرين منهم الآن حوالي ۲مليون أي ما يقرب من ٢٠% من مجموع عددهم.

لم تكن عملية الهجرة هذه محض صدفة عشوائية بل هي بالتأكيد تخطيط إلهي، وفى نفس الوقت، فإن الله الذي سمح بذلك قد أغلق عن ذهن حكام مصر في ذلك الوقت ما يمكن أن ينتج عن هذا التصرف.. وفى اعتقادي أن عبد الناصر لو كان يرى المستقبل ويعرف أن الأقباط المهاجرين سيصبحون شوكة في جبينه، لما كان قد سمح لهم بالخروج من مصر.
هؤلاء الأقباط المهاجرون أصبحوا بالنسبة لإخوتهم السند الاقتصادى في الظروف الصعبة التي مروا فيها عندما تدهورت أحوال مصر.. وأهم من هذا أنهم أصبحوا لسانهم في التعبير عن آلامهم والمناداة بالعدل في المعاملة معهم ورفع الاضطهاد الواقع عليهم.
خلاصة القول.. إنه يخطئ من يظن أننا كمسيحيين فريسة سهلة يفعل بنا الأشرار ما يريدون.. إن عين الله الساهرة ترعانا وتحافظ علينا.. الذي يضطهدنا يضطهد المسيح ذاته.. وهذا ما أعلنه السيد المسيح لشاول عندما قال له: "شاول شاول لماذا تضطهدني. صعب عليك أن ترفس مناخس. (أعمال ٩:٤-٥).. فكل رفسة موجهة إلى المسيحيين هي رفسة ضد مناخس.. لن تؤذى المسيحيين ولكنها ستدمي أرجلهم الرافسة.
وأبواب الجحيم لن تقوى عليها (متى ۱٦:۱٨).

 لوس أنجلوس
Mounir.Bishay@sbcglobal.net

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٣ صوت عدد التعليقات: ١١ تعليق