ولست أدري لماذا صمت شيوخنا الأجلاء في مجمع البحوث الإسلامية, علي ما كان في نجع حمادي وعلي ما يجري وما يذاع في فضائيات مشبوهة أستأذن في تسميتها بفضائيات بير السلم,
هل شعر شيوخنا الأجلاء بالملل؟ أم استهانوا بالأمر كله؟ أم اكتفوا بالانغماس في إصدار فتاوي في أمور هامشية؟ الأرجح في اعتقادي افتراضا لحسن النية, وهو افتراض حتمي, أنهم اكتفوا بما قاله مجمعهم الموقر في مؤتمره السادس(1971) وما كان فيه من أبحاث عالية القيمة نشرت بمقدمة لفضيلة الشيخ د. محمد عبدالرحمن بيصار الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية, تقول إن هذه الأبحاث نتائج صفوة من علماء المسلمين ومفكريهم من أقطار متعددة تدارسوا قضايا الساعة ومشكلات العصر علي ضوء الإسلام الحنيف واضعين نصب أعينهم هدي القرآن الكريم وسنة الرسول الأمين صلي الله عليه وسلم, وإذ نطالع ما نشره المجمع آنذاك عن أبحاثه نقرأ تحت عنوان الإنسانية الرفيعة في معاملة الدولة الإسلامية لرعاياها من غير المسلمين, الدولة الإسلامية هي صاحبة السيادة علي المسلمين وعلي غير المسلمين الذين يستظلون بظلها ويحتمون برايتها سواء أكانوا ذميين أو مستأمنين أو معاهدين, فالحقوق التي قررها الإسلام لهم قائمة علي أساس إنساني بحيث لا يفرق بين أهل دين ودين[ الجزء الثاني ـ ص181].
وأيضا فكان من المحافظة علي حريتهم الدينية, أن يتركوا في عباداتهم وأحكام الأسرة الي دينهم والقاعدة الفقهية تقول أمرنا بتركهم وما يدينون, وكذلك.. والدولة الإسلامية لا تمنع النصاري من أن يتعاطوا ما هو مباح لهم في دينهم وإن كان محرما في الإسلام كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير حتي لا يعد ذلك تدخلا في ديانتهم وحريتهم الشخصية والدولة مكلفة بتوفير هذه الحرية لهم, حتي إن مذهب أبي حنيفة يري حماية لحريتهم الشخصية أن المسلم لو أراق خمرا لذمي أو قتل خنزيرا له وجب عليه أن يدفع قيمة ما أتلف.
ثم نقرأ: والدولة الإسلامية عليها حماية الذميين, فدمهم مصون ولا يصح الاعتداء عليهم, وحريتهم الشخصية مكفولة, وليس لأحد أن ينتقصها, وكرامتهم محترمة لأنهم كالمسلمين علي السواء مصونو الكرامة, والاعتداء علي الذميين في نكره وفحشه كالاعتداء علي المسلمين وله سوء الجزاء في الدنيا والآخرة, ولقد تكررت الدعوة الي العناية بهم, فالرسول الكريم قال من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ومن آذي ذميا فأنا خصمه يوم القيامة ومن خاصمته خصمته, ومن ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة[ الجزء الثاني ـ ص184].
ونواصل القراءة في هذه الأبحاث عما كان في زمن الإسلام الأول, زمن الإسلام الصحيح والتدين الصحيح وكان عمر بن الخطاب علي شدته مع المسلمين رفيقا بأهل الذمة والمعاهدين, فقد أوصي سعد بن أبي وقاص لما أرسله الي حرب الفرس بأن يبعد معسكره عن قري أهل الصلح والذمة, وبألا يأخذ من أهلها شيئا وألا يسمح لأحد من أصحابه بدخولها إلا اذا كان علي ثقة من دينه وحسن خلقه, لأن لهم حرمة وذمة يجب علي المسلمين الوفاء بها, وحذره من أن تضطره حرب أعدائه الي ظلم الذين صالحوه, وأوصي عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح بأهل الذمة في الشام قائلا وامنع المسلمين من ظلمهم والاضرار بهم, وأكل أموالهم إلا بحقها, ووف لهم بشرطهم الذي شرطت في جميع ما اعطيتهم, وجاء في كتاب ابن الخطاب الي عمرو بن العاص وهو يومئذ الوالي علي مصر وإن معك أهل ذمة وعهد وقد وصي بهم رسول الله قائلا من ظلم معاهدا وكلفه فوق طاقته فأنا خصمه يوم القيامة فاحذر يا عمرو أن يكون الرسول خصما لك[ ص185], ونمضي مع بحوث مجمع البحوث الإسلامية لنقرأ وقد جاء في كتاب الخراج لأبي يوسف موجها القول الي هارون الرشيد وينبغي يا أمير المؤمنين أن تتقدم بالرفق بأهل ذمة نبيك محمد صلي الله عليه وسلم والتفقد لأحوالهم حتي لا يظلموا ثم نقرأ أما عن حرية الاعتقاد فإن علي الدول الإسلامية أن تعطي الحرية لكل فرد من رعاياها في أن تكون عقيدته بناء علي ما يصل اليه عقله ونظره الصحيح, فلكل إنسان طبقا للشريعة الإسلامية أن يختار من العقائد ما يشاء وليس لأحد أن يحمله علي ترك عقيدته واعتناق غيرها بالقوة لقوله عز وجل لا إكراه في الدين, وقوله تعالي ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين, ولقد أراد أحد الصحابة أن يكره ولديه علي الإسلام فنهاه الرسول, ولقد روي التاريخ دوما أن كفالة الدولة الإسلامية لحرية العقيدة كانت تامة وعلي أكمل وجه[ ص191].
وفي بحث آخر قدمه للمؤتمر الأستاذ أسعد مدني الأمين العام لجمعية علماء الهند نقرأ أباح الإسلام لأهل الأديان الأخري المقيمين في دولته أن يقوموا بشعائر دينهم وطقوسهم الدينية كما يشاءون, وهم أحرار في شئونهم الخاصة والدينية وأما الأحكام العامة والمرافق الوطنية فقد عاملهم فيها معاملة المساواة وجعلهم يشعرون أن الدولة الإسلامية لهم أيضا كما أنها للمسلمين[ ص250], ونقرأ في بحث آخر للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام جميع الرسل يتلقون رسالاتهم من عنده تعالي ولهذا نجدها كلها تهدف الي معان واحدة من توحيده تعالي وتعظيمه وكلهم مجمعون علي هذه الدعوة المتحدة مما يدل علي أنهم يقبسون من مشكاة واحدة وينهلون من معين واحد, وقال تعالي مبينا أن رسالته الي أنبيائه واحدة إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده[ ص256].
والآن وبعد كل ذلك ماذا يتبقي لدعاة التمييز والتفريق سواء في مسألة دور العبادة أو الوظائف أو مناهج التعليم والإعلام؟
ويبقي سؤال آخر أستأذن فيه شيوخنا الأجلاء في مجمع البحوث الإسلامية فيم صمتكم الآن وصحيح الدين لا يطبق والوطن معرض لفتنة تحتاج الي جهدكم لإطفائها, إن الإسلام بحاجة إليكم وكذلك الوطن فلا تطيلوا غيابكم.
نقلا عن الأهرام |