بقلم: سوسن إبراهيم عبد السيد
أهدي هذه الكلمات إلى روح أمي الغالية وأشرك بها كل قرائي الأحباء ..
لعل الكثيرون لا يعرفوا من هي زوجة الكاهن، وما يدور داخل بيت الكاهن، وبين أفراد أسرته.. وعبر هذا الحديث سأروي لكم من واقع معايشتي في إحدى هذه البيوت جزءًا من تلك الصورة التي لا يعرفها أحد.
كان أبي علمانيًا في طفولتي، ولكن اتخذ بيتنا -مثل بيوت مسيحية كثيرة- شكل البيت الملتزم بتعاليم السيد المسيح دون مغالاة ودون تزمت.. وبعد أن نال أبي بركة الكهنوت كنت قد بلغت سن المراهقة. ولم يتغير الوضع كثيرًا بالنسبة لأبناء هذا البيت الجسديين، ولكني الآن أتذكر كيف كانت أمي تتعامل مع الوضع واضعة مقارنة بين متطلباتها كزوجة وأم وكونها زوجة كاهن، وسبب مقارنتي هي أنني وجدت نفسي أتساءل كيف لهذه السيدة أن تحتمل كل هذه المعاناة وتتنازل عن رفاهيتها وتقوم بهذا الدور وهي في منتهى السعادة.
لا أتذكر أن رايت أمي متزينة بأدوات التجميل رغم أنها كانت معلمة، لم أرَها يومًا تتذمر من انشغال أبي في خدمته وتطالبه مثل أية سيدة أخرى بالخروج للنزهة .حتى أننى في إحدى المرات أصابنى الفضول وسألتها فكانت إجابتها باسمة: "لقد تعودت منذ أن كان أبيكِ علمانيًا أن تكون نزهتي في إحدى الكنائس التى يقوم أبيك بالخدمة فيها لأستمع إلى وعظة روحية أو حتى في مؤتمر يجمعنا ببناتي الروحانيات في إحدى المصايف.
لم أرَها أبدًا متبرمة من هذا الوضع بل على العكس كانت دائمًا تقول لي "يا ابنتي إن نعمة الكهنوت التي منحها الله لإبيك لهي نعمة تشملنا جميعًا في البيت.
كانت الأم الروحية لكثير من الشابات والخادمات اللائي كن يلجأن إليها طالبات المشورة في الأمور الحياتية المختلفة. وأتذكر كيف كانت تنصح الزوجات اللائي كن على خلاف مع أزواجهن، وكم من مشاكل كانت ترد على بيتنا يشكو فيها مثلاً الزوج من زوجته أو العكس.
لم تقتصر محبتها ولم يقتصر عطاؤها على أبناء الكنيسة فقط، بل كانت أيضًا تمد يد العون لكل الأسر المجاورة لنا في السكن من المسلمين حتى نالت حبهم جميعهم وتقديرهم.. حتى أن جارة لنا كانت تعاني من تفكك أسري بسبب انفصال الأب عن الأم بالطلاق، وفكرت في عدم إتمام دارستها الجامعية لتساند أمها في إدارة شئون البيت، ولكنها شجعتها على رفض هذه الفكرة وكانت تجلس إلى جانبها وتستذكر لها ما يستعصى عليها، وهذه السيدة إلى يومنا هذا تتذكر فضل أمي وتقول لي: "لولا أمك ووقوفها إلى جانبى ما كنت أستطيع أن أصل إلى ما وصلت إليه من نجاح في عملي" .
حتى في عملها كمعلمة كانت لا تألو جهدًا في القيام به على أتم وجه حتى نالت درع المعلم المثالي من وزارة التربية التعليم.
كانت تساند أبي وتعضده وتشجعه في كل ما لاقاه من مشاكل ناظرة إلى السماء بالصلوات والتضرعات مترفعة عن الأمور الأرضية.
احتملت آلام "مرض الفردوس" دون أن نسمعها تتألم ورحلت منذ عشر سنوات بعد عيد الأم مباشرة.
هذه كانت أمي...زوجة الكاهن.
نياحًا لروحك يا أمي ...اذكريني أمام عرش النعمة. |