تحقيق: مادلين نادر – خاص الأقباط متحدون
كنا قد استعرضنا في الجزء الأول من هذا التحقيق بعضًا من آراء وتعليقات الرجال على قضية تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة، وهي القضية التي شغلت بال الرأي العام بمختلف فئاته، وتعرضنا أيضًا لآراء بعض النساء فيما يتعلق بتلك القضية، ثم طرحنا تلك الآراء والتعلقيات، بل والقضية برمتها على بعضٍ من رجالات القضاء والقانون، ونستكمل في الجزء الثاني والأخير من هذا التحقيق ما كنا قد بدأناه..
وبسؤالنا الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، عن رأيه في تلك القضية قال:
"إن اشتغال المرأة بالقضاء قضية شغلت بال الفقهاء منذ أكثر من ألف عام، واختلف حولها الآئمة الأربعة.. كما أنَّ وزير الأوقاف الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك، رفضوا تمامًا اشتغال المرأة بالقضاء، أما الإمام "أبوحنيفة"، فأجاز اشتغالها بالقضاء في الأمور المدنية وليست الجنائية".
وأشار "زقزوق" إلى أنه لا يجب أن ننقل من الكتب القديمة بشكل أصم، ولكن يجب أن نُعمل عقولنا، ولا نضلل الناس بفتاوى بعيدة عن العقل، منوهًا إلى أن تعيين المرأة قاضية ليس ضد مصلحة المجتمع، وقال: "حيثما توجد المصلحة، يتم شرع الله.. وهو المبدأ الذي يجب أن نسير عليه".
واتفق معه في هذا الرأي الدكتور كمال مغيث، الأستاذ بمركز البحوث التربوية، وقال:
"إن قرار منع تعيين القاضيات بالمجلس جاء متعارضًا مع المواثيق الدولية التي تكفل المساواة بين الرجل والمرأة، ومنها اتفاقية عدم التمييز بين الرجال والنساء «سيداو»، التي صادقت عليها مصر، فأصبحت تجري في بلادنا مجرى الدستور والقانون.. هذا بالإضافة إلى أن ما أثير حول ما يتعلق بنوعية العمل ومشقته وظروف العمل والسفر، إنما يُعد حُججًا واهية.. فليس القضاء وحده الذي قد يتطلب سفر المرأة وتتحمل فيه مشقة وعناءً، بل هناك عديدٌ من المهن التي تعمل بها المرأة كذلك.. كما أنه لو كان يصح الاحتجاج بأن المواضعات الاجتماعية لا تسمح بعمل المرأة قاضيًا، لما ذهبت المرأة إلى الجامعة طالبة أو أستاذة، وما عملت صحفية ولا مغنية ولا ممثلة ولا قادت طائرة ولا سافرت إلى أوروبا عاملة أو مبتعثة، وما دخلت البرلمان".
أما شيرين الوشاحي- رئيس محمة اقتصادية بمحكمة الجنح الاقتصادية – فتقول: "إن مجلس الدولة يعتبر مجلسًا خاصًا وله قراراته الخاصة، وهذا هو رأيه، فيجب أن نحترم قراراته.. بالتأكيد لقد أخذ المجلس قراره بناءًا على مجريات العمل بالمجلس، فوجد أنها لا تصلح في الوقت الحالي.. أما عن رأيي الشخصي؛ ففي رأيي أن المرأة المصرية تستطيع أن تعمل وتنجح في أي مجال، فهي تتخطى الصعاب.. وأي إنسان، سواءً امراة أو رجل، فهو قابل للتعلم واكتساب المزيد من الخبرات طالما أراد النجاح والتعلم ولديه استعداد لذلك، وأكرر أن مجلس الدولة يجب أن نحترم قراره أيًا كان، فهو أكثر دراية بشئونه، وأما بالنسبة لتعيين المراة فسوف يتم إن عاجلاً أو آجلاً".
أما المستشارة سامية المتيم، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، فكان لها وجهة نظر أخرى، فقالت:
"إن القضاء يعني العدالة، والعدالة يطبقها الرجل والمرأة من خلال القوانين واللوائح، وليس من خلال العواطف والمشاعر ومدى شدتها، كما أن هناك جهات مراقبة وتفتيش على الأحكام، وإذا كانت القاضيات قد أثبتن عدم كفاءتهن، كانت تلك الجهات لن تترك قاضية واحدة على منصة قضاء، فالقضاة جميعهم يحكمون بالعدل والضمير يحكمهم.. ومن المفارقات أننا مازلنا نناقش أحقية المرأة أو عدم أحقيتها في التعيين بالقضاء، والدول العربية الأخرى كالسودان واليمن وباكستان وإيران، قد عينت بها المرأة قاضية منذ زمن، لذا تقرر تعيين المرأة قاضية نتيجة اعتبارات دولية، في حين أن إقصاء المرأة من هذا المنصب حتى وقت قريب، كان ليس له أي سبب سوى المعتقدات الخاطئة الراسخة بمجتمعنا حول عمل المرأة، والتي حاربتها عائشة راتب منذ عام 1952".
وتقول د. هدى زكريا – أستاذة علم الاجتماع السياسي:
"إن الأسلوب الذي يفكر به كثيرٌ من المصريين في وقتنا الحالي أصبح صادمًا، فنجد رجالاً وشبابًا كثيرين يقولون "البنات أخدت مكاننا في العمل واحنا قعدنا على القهوة"، وازدادات حدة هذا الكلام بالنسبة لتعيين المرأة في مجال القضاء بشكل عام، والمطالبات التي جاءت مؤخرًا لتعيينها في مجلس الدولة بشكل خاص، حيث يُعتبر القضاء من المناصب الرفيعة جدًا والمهن العليا بالمجتمع، ولذلك وجدنا تعليقاتٍ تنم على أن عديدًا من الرجال في مجتمعنا أصبحوا غير واثقين في أنفسهم ويخشون قدوم النساء في أعمال ومناصب مرموقة.. وقالوا أيضًا إنهم لا يريدون عمل المرأة في مجلس الدولة لأنهم يخشون عليها من العمل الشاق، ألم يشاهدوا من قبل السيدات والرحايا أو راعيات الأغنام أو خادمات المنازل..الخ، فلماذا لم ينتفضوا ويثوروا لرفع المعاناة عن المرأة في مثل هذه الأعمال الشاقة، فهم بالفعل لا يخشون على النساء لكنهم فقط ينظرون بقلق تجاه المناصب العليا التي من الممكن أن تعتليها المرأة.. ومما يزيد قلقهم أن الإعلام لدينا لا يركز على النساء العاملات في مهن شاقة مثل السائقات أو من يعملن في "محظة بنزين" أو ما شابه، لكن يركز بشكل أساسي على بعض من النساء العاملات ممن قد حققن نجاحات فذة، ولكن الواقع يشير إلى أنها نسبة قليلة، وأن المرأة تعمل في مجالات دنيا في الأعمال.. فلا نجدها رئيسة جامعة، وقلما ما نجدها رئيسة تحرير وهكذا".
وتشير د. هدى إلى أن هناك أزمة في الدولة ليس سببها الرجال أو النساء، لكن الدولة نفسها، فلقد فشلت الدولة، على حد وصفها، في إيجاد فرص عمل وخلق مجالات عمل جديدة، بحيث يجد الرجال والنساء فرص عمل متكافئة، وأضافت أننا يمكن أن نجد في بلاد العالم المتقدم أن خروج المرأة للعمل قد ساهم في فتح أبواب العمل والفرص، لكن في مجتمعنا، فلقد انكسرت خطط التنمية في السبعينات من القرن الماضي، فأغلقت الباب أمام العديد ممن يبحثون عن عمل، من خصصخصة ورفض تعيين الجدد..إلخ.. فهناك أزمة حقيقية في مجالات الإدارة والاقتصاد، وللأسف نتائجها تقع بشكل أساسي على النساء.. فتم تحويل الرجال والنساء إلى فئات تتقاتل، وهذا الأمر ساعد على وجود حالة من الاستعداء المجتمعي ضد النساء، وبدلاً من أن يساهم خروج المراة للعمل في تنمية المجتمع، بدا وكأنه العكس، ومن هنا وجدنا يعض الأصوات المطالبة بعودة النساء إلى المنزل مرة أخرى بدلاً من الخروج للعمل.
وأضافت د. هدى:
"بالإضافة إلى ذلك؛ فإن رجال القضاء والمؤسسة القضائية يعانون أيضًا من أزمات في الإدراة تحتاج لإعادة بناء، وبدلاً من أن مجلس الدولة يرصد احتياجات المؤسسة القضائية لتطوير وتقسيم العمل بشكل أفضل، نجد المؤسسة القضائية تسقط المشاكل على السيدات بدلاً من التفكير في كيفية حل أزماتهم الداخلية أولاً، فهناك لغه انتقامية من المرأة في تبريرات عدم عملها في مهن بعينها مثل القضاء، فيقولون مثلاً إن المرأة إما أن تتزوج وتنجب، أو تعمل، أو إنها عاطفية وعصبية ولا تحكم على الأمور بشكل عقلاني، ولكن خدعوك فقالوا إن المرأة عاطفية وتتصرف بمشاعرها دون إعمال لعقلها.. كل هذه التبريرات الواهية وغيرها، ما هي إلا إسقاطات لمشاكل المجتمع الأخرى على المرأة، لذلك يجب أن ندقق التشخيص أولاً فالمشكلة الحقيقية ليست مشكلة النساء.. فالرجال في مجتمعنا يعيشون بالفعل أزمة حقيقية وليس سببها تفاقم سلطة النساء ولكنها سوء إدارة العمل في مجتمعنا بشكل عام".
أما بالنسبة لتعليقات الرجال على الأخبار المتعلقة بالجدل الذي ثار مؤخرًا حول تعيين المرأة كقاضية في مجلس الدولة، علقت د. هدى وقالت:
"حينما تقرأي هذه التعليقات أو تسمعيها، تشعري وكأنما الناس يتحدثون على مقاهٍ، وتجدي أن الشباب الذي يقول تعليقات غير لائقة كهذه، هو بالتأكيد شباب يشك في مستقبله وقلق بشأنه، ويجب علينا أن نطمئنه كمجتمع ونعطيه فرصة ليأخذ ثقة في نفسه.. أيضًا مما زاد الأمر سواءً هو الخطاب الديني المتدهور، فنجد الكثير من رجال الدين غير المستنيرين يطالبون وباستماتة بعودة المرأة إلى المنزل وترك العمل وأن دورها الوحيد في الحياة هو البيت".
وأخيرًا أكدت د. هدى على أنه الوقت قد حان للإفاقة من هذا الثبات، مؤكدة أننا أصبحنا نعيش في عصور الانحطاط والتدهور، وأن الاستمرار فيها يعرض مجتمعنا لخطر حقيقي، على حد تعبيرها.
رفض تعيين المرأة بمجلس الدولة يجعل الردة المجتمعية تسطع!!!.. "1-2" |