بقلم: جرجس وهيب
عرضت خلال مقال سابق أسباب كراهية المصريون للولايات المتحدة الأمريكية، وأرجعت كراهية المصريون لأمريكا لسببين رئيسين: السبب الأول يرجع لدعم أمريكا المستمر لاسرائيل، والسبب الثاني هو عدم الإعلان في وسائل الإعلام المصرية عن المشروعات التي يتم افتتاحها من حصيلة أموال المعونة.
كما يمكن أن يضاف إلى هذه السباب تأصل فكرة القومية العربية بشكل كبير بين الغالبية العظمى من المصريين، والتي أصلّها فيهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما ألغى اسم مصر أثناء الاتحاد مع سوريا، وأطلق عليها اسم الجمهورية العربية المتحدة، فالمصريون يثورون لما يحدث في أية دولة عربية، أكثر مما يحدث في مصر فكم من الحوادث الشنيعة والمؤسفة والكاراثية حدثت بمصر، على رأسها حادثي العبارة، والذي أودى بحياة أكثر من 1000 مواطن مصري من فقراء هذا الشعب، والذين تعرضوا لأبشع أنواع الذل بالسعودية، من أجل تأمين حياة أبنائهم، ومع ذلك لم نسمع مظاهرات بالجامعات المصرية، وحادث العياط الذي راح ضحيته المئات من المصريين الفقراء حرقًا ولم نرى النقابات التي تجمع التبرعات من أجل الأخوة العرب خارج مصر، الذين حالهم أفضل بكثير من حال ملايين المصريين، الذين يعيشون في القبور و داخل عشش من الصفيح والخشب.
ولكن إذا حدث حادث بسيط في غزة مثلاً لأحد الأخوة الفلسطينيين، مع رفضنا التام لأي عنف ضد إخواننا الفلسطينيين، تقوم الدنيا ولا تقعد، فالمظاهرات تعم الجامعات، وحتى مدراس الأطفال الابتدائي والإعدادي، كما تتسابق مختلف النقابات وخاصة النقابات التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون، في جمع تبرعات من أجلهم في حين أن هناك الآلاف من المصريين محرومين حتى الآن من رغيف الخبز والمياه النظيفة.
وازدادت كراهية المصريين لأمريكا بعد حربها في العراق وأفغانستان، فهل أمريكا أضرت بالشعبين العراقي والأفغاني؟
من وجهة نظري لا، فالشعب العراقي تخلص من طاغية وقاتل، والشعب العراقي الآن يعيش في حرية وديمقراطية وتداول للسلطة، فلأول مرة نرى في العالم العربي نسبة تصويت تصل إلى أكثر من 70% خلال الانتخابات الماضية، وأشاد بها أعداء أمريكا والرافضون للوجود الأمريكي في العراق، وقد يقول قائل :
إن القوات الأمريكية قتلت الآلاف من العراقيين، فالذين قُتلوا على يد القوات الأمريكية أقل بكثير ممن قتلهم تنظيم القاعدة والمخابرات السورية والإيرانية، التي أرادت إفشال التجربة الأمريكية في العراق، خوفا من امتداد التجربة إليهم. فمزايا الوجود الأمريكي بالعراق أكثر بكثير من أضراره على المدى البعيد، إن استغل العراقيون هذه الفرصة العظيمة، وبالنسبة لأفغانستان، كانت قبل دخول القوات الدولية أكبر مصدر للمخدرات والأفيون في العالم، ومعقلاً لتنظيم القاعدة الذي ساهم ويساهم في العديد من الحوادث الإرهابية، والتي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين في كافة ربوع العالم ومنها مصر، بالإضافة لتدني مستوى المعيشة فيها بشكل كبير وحرمان الأفغان من أقل الخدمات، فالآن، أصبحت لهم دولة ذات مؤسسات وتجرى فيها انتخابات، واستقر الأفغان في محافظاتهم ومنازلهم، باستثناء بعض المناطق بعد أن كان الشعب الأفغاني من الرحل.
فهل تستحق أمريكا الكراهية على تخليص الشعبين العراقي من السفاح صدام حسين وأبنائه، الذين كانوا يعيسون في العراق فسادًا، وكم من بنات الجامعات تم اختطافها على يد معاونيه وتم اغتصابهن، والأفغان الذين عانوا ومازالوا يعانون من فلول القاعدة وطالبان، التي أدخلتهم في عداء مع العالم كله، فهل يوجد دولة في العالم لم تتضرر من القاعدة وطالبان؟
فأمريكا تضررت من القاعدة في 11 سبتمبر ومصر كذلك من الحوادث الإرهابية التي شهدتها خلال فترة التسعينات، وتفجير سفارات مصر في كابول وباكستان ونيروبي.
اليمن يعاني من القاعدة، والذي أدخلها في حرب أهلية، وموريتانيا التي كانت نموذجًا طيبًا في العالم الإسلامي، فساعد بعض الانقلابيين وتم الإطاحة بالرئيس المنتخب، والسعودية نفسها تعاني من القاعدة، على رغم من أنها دعمته في بداية ظهوره، وكذلك السودان، الذي أوى ابن لادن سنوات طويلة.
أعتقد أن أمريكا دولة ليست شريرة وتتآمر على العالم العرى، فالعالم العربي مستهدف من نفسه، من الجهل والتحزب والفساد والنفاق والمحسوبية والديكتاتورية، وهذه الأشياء جديرة بخراب أية دولة حتى لو كانت أمريكا أو اليابان . |