بقلم: لطيف شاكر ومع ذلك احتقروا التماثيل والتصاوير الفرعونية، التي لم تعد مقدسة، ولم يعد أحد يحج إليها على سبيل التبرك, وفيما عدا، عبد اللطيف البغدادي، فإننا لا نشهد مؤرِخاً اهتم بالآثار المصرية اهتماماً علمياً, والمقريزي – أعظم المؤرخين المصريين – تحدث عن الآثار المصرية بما يشبه قصص المصاطب، وحكاوي القهاوي, مما يعكس إهمال المثقفين لتلك الحضارة الخالدة، ويقول سيادته: إن التدمير لحق بعشرات الأهرام الأخرى , إذ كانت هناك كثير من الأهرام، تبدأ من الجيزة وتمتد مسافة يومين سيراً على الأقدام, وكان معظمها صغير الحجم, وقد هدمها قراقوش وبنى منها سور القاهرة والقلعة وقناطر الجيزة، وقد بقي من أنقاضها ردم كثير، وصفه عبد اللطيف البغدادي، الذي وصف أيضًا أهرامًا كثيرة في منطقة أبي صير, وبعضها كان انهدم، وكانت بقاياه تؤكد أنه كان في حجم الهرم الأكبر في الجيزة, وما بقى من أهرام أبي صير كان مختلف الأحجام والأشكال منه المدرج ومنه المخروطي. يقول جواد علي في كتابه " المفصل في تاريخ العرب ص 47": وقد هدمت قرى ومساكن في الجاهلية وفي الإسلام من أجل استعمال أنقاضها في بناء أبنية جديدة. ذكر "الهمداني" حصن "ذي مرمر"، وهو من المواضع الجاهلية المهمة، وكذاك "شبام سخيم" "يسخم"، وبقيا معروفين زمناً طويلاً بعده، ثم جاء أحد الأتراك واسمه "حسن باشا" فهدم حصن "ذي مرمر" لينشئ في أسفله مدينة جديدة، أخذ معظم مواد بنائها من "شبام سخيم". وذكر إن حكومة اليمن قامت بعد سنة "1945 م" ببناء ثكنة لجنودها في المنطقة الشرقية من اليمن في "مأرب"، على نمط الثكنة التي بناها الأتراك في صنعاء، فهدموا أبنية جاهلية كانت لا تزال ظاهرة قائمة، واستعملوا الحجارة الضخمة التي كانت مترامية على سطح الأرض، وأزالوا بعض الجدر والأسوار وحيطان البيوت عند بناء تلك الثكنة، فطمسوا بذلك بعض معالم تاريخ اليمن للقديم، وأساءوا بجهلهم هذا إلى قيم الآثار إساءة لا تقدر في نظر عشاق التاريخ والباحثين في تاريخ العرب قبل الإسلام. (انتهى). وقد دلت الأدلة الشرعية على وجوب هدم الأصنام، ومن ذلك: 2- وما رواه مسلم (832) عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : " أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ". ويتأكد وجوب هدمها إذا كانت تعبد من دون الله : وأما ما يقال في ترك الصحابة رضي الله عنهم للأصنام في البلاد المفتوحة، فهذا من الظنون والأوهام، فما كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن يدعوا الأصنام والأوثان، لاسيما مع كونها معبودة في ذلك الزمن. فإن قيل : فهذه الأصنام القديمة للفراعنة والفينيقيين وغيرهم، كيف تركها الصحابة الفاتحون ؟ وفي رواية في الصحيحين أيضاً: " فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم ". والظن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إن رأوا معبداً أو منزلاً لهؤلاء أن لا يدخلوه، وأن لا يطلعوا على ما فيه. الثالث: أن كثيراً من هذه الأصنام الظاهرة اليوم كان مغموراً مطموراً، أو اكتشف حديثاً، أو جيء به من أماكن نائية لم يصل إليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فقد سئل الزركلي عن الأهرام وأبي الهول ونحوها : هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟ فقال : كان أكثرها مغموراً بالرمال، ولاسيما أبا الهول . (ونحمد الله أن أعمى عيونهم) (شبه جزيرة العرب 4/1188). ثم يقال لو قدر وجود تمثال ظاهر غير مطمور، فلا بد من ثبوت أن الصحابة رأوه، وأنهم كانوا قادرين على هدمه. والواقع يشهد أن بعض هذه التماثيل يعجز الصحابة رضي الله عنهم عن هدمه، فقد استغرق هدم بعض هذه التماثيل عشرين يوماً، مع وجود الآلات والأدوات والمتفجرات والإمكانيات التي لم تتوفر للصحابة قطعاً. ومما يدل على ذلك ما ذكره ابن خلدون في ( المقدمة ص 383) أن الخليفة الرشيد عزم على هدم إيوان كسرى، فشرع في ذلك وجمع الأيدي، واتخذ الفؤوس، وحَمَّاه بالنار، وصب عليه الخل، حتى أدركه العجز، وأن الخليفة المأمون أراد أن يهدم الأهرام في مصر فجمع الفعلة ولم يقدر. وأما التعلل بكون هذه التماثيل من التراث الإنساني، فهذا كلام لا يُلتفت إليه، فإن اللات والعزى وهبل ومناة، وغيرها من الأصنام كانت تراثاً لمن يعبدها في قريش والجزيرة. وهو تراث، لكنه تراث محرم يجب إزالته، وإذا جاء أمر الله ورسوله فالمؤمن يبادر إلى الامتثال ولا يرد أمر الله ورسوله بمثل هذه الحجج الواهية، قال تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) النور / 51. ويقول المقريزي :إن العزيز عثمان بن يوسف الأيوبي 1196م، أمر رجاله وجنوده بهدم الهرم الأكبر وأرسل حملة من رجال المحاجر والعمال والجنود تحت قيادة أحد الأمراء، ليقوموا بهدمه وأقاموا حوله معسكرًا واستحضروا له عمالًا من جميع البلاد، وأعدوا المعدات والروافع وعملوا ثمانية أشهر كاملة، لم يتمكنوا خلالها من إزالة أكثر من حجرين في اليوم فتوقفوا عن العمل وقاموا بجمع الأحجار من المقابر المتداعية والأهرام الصغيرة...!!!!!!!!! هل رأيتم أغبي من هذا. وفي عام 820م وصل إلي علم الخليفة المأمون نبأ وجود كنوز عظيمة ومحتويات لا تقدر بثمن مدفونة داخل الهرم, فنظم المأمون حملة من المهندسين والمعماريين والبنائين ونحاتي الأحجار ليستولي على الكنوز. وقد قاموا بمحاولات عديدة لشق أنفاق داخل الهرم بطريقة بدائية تخريبية لم يكن همهم سوي الوصول إلي هدفهم فقط، ولو على حساب أكبر أثر وأعظمه في العالم كله. وقد كرر هذا العمل، أحمد بن طولون 875م، أخيرًا، أختم المقال بهذه الفتوى : سأل أحد القراء عبر مجلة عقيدتي التي تصدر في القاهرة، العدد الصادر بتاريخ 20-6-2000، عن حكم الدين في زيارة الآثار الفرعونية وهل تعتبر من الأصنام، وقد أجاب أحد رجال الدين بالقول : إن الناتج المعماري والفني لشعب مصر في الأزمنة القديمة هو تاريخ من تواريخ الأمم السابقة، ولا علاقة لها بنا, لقد ملأ المصريون والرومان الأرض صناعة وعمرانًا، ولكن ماذا كان مصيرهم لقد انقرضوا وأصبحوا عبرة لمن يعتبر، أما نحن كعرب فننظر إليهم من باب الاعتبار والعظة ونعرف كيف كانت عاقبة المجرمين .. ولي سؤال أخير، هل المحتل العربي يستحق منا أن نبجله ونرفعه فوق رؤوسنا وأن نتغنى بأمجاده وحضارته، ويكون لنا "شوفينية" نحوه، أم يجب منا أن نرفضه بل ونحتقره ؟؟؟؟ |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت | عدد التعليقات: ٥ تعليق |