CET 01:17:51 - 09/04/2009

مساحة رأي

بقلم: القس/ سامي بشارة جيد
الأمانة كلمة جميلة ما أحلاها وصفة حلوة ما أشهاها وثمرة مفيدة ما أحوجنا إليها، فمن كان أميناً في القليل أقامه السيد على الكثير، والأمانة بمثابة صمام الأمان في حياة الخادم وفي مجال الخدمة لأن السيد طلب أن تكون أهم ما يميز الخادم عندما خاطب خادم كنيسة سميرنا: "كن أميناً إلى الموت فسأعطيك اكليل الحياة" (رؤيا 2 : 10)، وهى الكلمة الأقرب إلى كلمة إيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى فالأمانة تعني الثقة بالله فهو إله أمانة لا جور فيه البتة (تث 22 : 4)، وكل صنعه بالأمانة (مز 23 : 4)، والأمانة تتطلب اليقين في الله وفي رعايته فهو الراعي الصالح.

لقد كان داود راعياً للغنم وكان يبذل كل ما وسعه لكى يتعهد قطيعه بالأمانة، لكنه رغم ذلك كان على يقين أن الله يرعاه هو أكثر مما يرعى هو أغنامه، وهذا أعطاه الثقة في أن يقول ويتغنى في مزمور الراعي "أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي" (مز 23 : 4)، لقد كان عليه أن يجوز اختبار ظل الموت يومياً أثناء عودته خلال الوادي الضيق وكان في انتظاره يومياً في نهاية جبلي الوادي قطيع الحيوانات المفترسة التي تريد أن تنال منه ومن قطيعه، لكنه أختبر أن فوق وادي ظل الموت ظل ذلك الإله الذي يرعاه ويرعى قطيعه، فهو لا ينعس ولا ينام.

والأمانة لا يمكن ان تتجزأ فالله يطلب الأمانة في كل شيء، فقد طلب يشوع من الشعب أن يعبدوا الله بالكمال أي بنضج وبالأمانة "واعبدوه بكمال وأمانة" (يش 20 : 12)، فالنضج يعني أن أتصرف في محضر الله بلياقة وتدبير وأن أرعى الأمانة ناحية الآخرين، فالناضج يعرف متى يصمت ومتى يتكلم وما يوافق وما لا يوافق وما يتسلط وما لا يتسلط وما يبني وما لا يبني، والناضج يحكم في كل شيء ولا يحكم فيه روحياً من أحد، والامين يتصرف بحكمة في وقته وفي ماله وفي ممتلكاته إذ يجعل كل الاشياء تعمل معاً للخير ويستثمر كل فكر وكل شيء لطاعة المسيح.
وهناك بعد آخر للأمانة وهى الحق، فليس هناك أمانة للباطل "أعمال يديه أمانة وحق" (مز 11 : 7)، فالحق يحررنا من الباطل ومعرفة الحق تعطينا الأمان وتطرد الخوف من المرض ومن المستقبل ومن الناس ومن الناموس ومن الفرائض والطقوس لنخدم الإله الحي في محبة وشراكة وتعاون مع روح الله القدوس الذي حول خوف التلاميذ إلى فرح وجبنهم إلى شجاعة وصمتهم إلى شهادة وتشتتهم إلى وحدة، عندما أطل عليهم يسوع بجسده الممجد وقال لهم سلام لكم، وعندما عمدهم الروح القدس القدس في يوم الخمسين لتبدأ ارساليتهم وهذا تطلب منهم ان يكونوا أمناء ليسوع ولخدمته.

والوجه المشرق في حياة الأمانة هو الصدق مع الله ومع النفس ومع الآخرين، فالصدق دائماً ينجي والكذب لا أرجل له، وحقا قال أحدهم إن استطعت أن تخدع بعض الناس بعض الوقت فلن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، هذا بالإضافة إلى حقيقة أننا مها حاولنا أن نرتدي من أقنعة فلا ولن نختبئ عن الله، لأن كل شيء عريان ومكشوف أمام عيني ذاك الذي معه أمرنا، فله عينان تخترقان أستار الظلام حقاً قال شكسبير "عندما خلقك الله صنع لك وجهاً وبعد أن خلقك تصنع لك وجهاً آخر" فإن كان الناس تنظر إلى العينين فإن الله ينظر إلى القلب وكلمة الله حية وفعالة وأمضى من سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته (عب 4 : 12).

وأمام أمانة الله معنا كخدام لا يسعنا إلا أن نخر ساجدين، وأمام رحمة الله لا يمكننا إلا أن نجثو شاكرين نضع عند أقدام راعي الرعاة العظيم مخاوفنا ونضع مكايد إبليس التي يحاول أن يزعجنا بها، ومن هذه المخاوف ماذا بعد التقاعد وانتهاء الخدمة؟، وماذا عن الأولاد وميراثنا لهم؟، وماذا عن سني الشيخوخة؟، وماذا عن المستقبل في ظل التغيرات السريعة والمتلاحقة وفي الغلاء الفاحش وثورة التقدم وما تقدمه من زخم إعلامي وكساد إقتصادي؟

وهنا لا أجد أمامي إلا الماضي فهو خير واعظ وهو أنفع تعليم، وأقول مع يعقوب "يا الله إبي ابراهيم وإله أبى اسحق الرب الذي قال لي: ارجع إلى أرضك وإلى عشيرتك فأحسن إليك. صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك. فإني بعصاي عبرت هذا الأردن والآن صرت جيشين (تك 32 : 9-10 )، الذي ضمن أمس هو هو ضامن اليوم وهو هو من يضمن الغد، فنحن نتبع الإله الحي القدوس والذي هو أمس واليوم وإلى الأبد، فسنين هذا عددها لم أر صديقاً تخلى عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً، فالله حافظ العهد والأمانة وأمانة الرب إلى الدهر وعدم أمانتنا لا تبطل أمانة الله فهو يبقى أميناً إلى الأبد وإلى دور (جيل) فدور أمانته (مز 100: 5).

الله صادق وإبليس الكذاب وأبو كل كذاب، فلنجحد كل مكايد عدو الخير ولنتمسك بإقرار الرجاء الموضع أمامنا، فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات يسوع ابن الله، وهكذا منذ أن بدأت خدمتي للمسيح وللكنيسة كتبت على صفحة كتابي المقدس إقرار إيماني الذي أخدم به "بينما أجول لأبشر وأعلم وأكرز... لا أتجول وحدي... أحمل كلمة الله الحية الفعالة في يدى... وأحمل محبة المسيح الحي في قلبى... وأحمل روح الله المحيي في عقلى".
ومع نموي في نعمة معرفة الرب في الخدمة العملية واختباري لجود الرب في مواقف الحياة اليومية، أخلص إلى أن مفتاح الخدمة المثمرة التي ترضي الله هي في أن أسلك بأمانة وأن أخدم بإيمان وأن أعيش في أمان، هولاء الثلاثة لكن أعظمهن الأمانة.

راعى الكنيسة الانجيلية-ابو حماد-شرقية

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق