بقلم منير بشاى
إنطباعاتى عن فضيلة شيخ الأزهر الجديد الدكتور أحمد الطيب إيجابية. وأعتقد أنه إسم على مسمى، فإسمه الطيب وهو إنسان طيب بالفعل. وما تزال ترن فى أذنى كلماته التى علق بها على تعاليم السيد المسيح كما جاءت فى الموعظة على الجبل. ونذكر بالذات قوله: السيد المسيح جاء برسالة الكمال والموعظة على الجبل أتغنى بها وتدمع عيناى..ثم يضيف: نحن نذكر هذا الكلام للتبرك والتذكر بالروحانيات العليا التى قدمها السيد المسيح. وأيضا ما قاله مؤخرا من ثناء عن قداسة البابا شنودة: حين أراه أتذكر حنان السيد المسيح. وكنت أقول للناس فى الغرب عندما كنت هناك أن المسيحية الحقيقية موجودة عندنا فى مصر ويمثلها هذا الحبر الأعظم .
فنحن نقدر طبيعة الشيخ السمحاء وطيبته وسمو خلقه. ونرحب بإسهاماته المستقبلية لتمكين روح التسامح الدينى بين أفراد الشعب المصرى والقضاء على الإحتقان الطائفى. والبوادر توحى بأنه يملك الأفكار والقدرات التى نرجو أن تمكنه من هذا. وبداية سررت لإعلانه عن إقتراح كنت أتمنى أن يتحقق فى مصر فى يوم من الأيام. وهو إستبدال مادة الدين فى مناهج التعليم، التى أحيانا تستخدم لتكريس التعصب والتفرقة بين التلاميذ، بمادة جديدة تهتم بدراسة الأخلاقيات المشتركة فى الإنجيل والقرآن، مثل الصدق والأمانة وتقديس العمل وحسن الجوار وقبول الآخر المختلف فى الرأى والعقيدة. هذه المادة يجب أن تدرس للجميع بالتساوى، وتعلم التلاميذ كيف يعيشون ويتلاحمون الواحد مع الآخر، تحطم الحوائط التى تفرقهم، وتمد الجسور التى تجمعهم وتوحد بينهم. وفى حديث آخر تكلم فضيلته عن رؤيته فى مواجهة الأزمات الطائفية وأعلن عن أولوياته فى منصبه الجديد فقال: الأزهر مقصر في مواجهة الأزمات الطائفية.. وعندي الحل .. أولوياتي هى التصدي للفكر السلفي المتشدد .. وتأهيل الدعاة الجدد وتطوير المناهج الأزهرية .. وفضح مثيري الفتنة.
إلى هنا فالأمور تبدو طيبة من الرجل الطيب. ولكن هناك ملاحظات طفت مؤخرا على السطح ينبغى أن نسجلها ونأمل أن لا يكون له تأثيرا سلبيا على أداء شيخنا الجليل فى المستقبل.
الملاحظة الأولى تتعلق ببناء الكنائس. ويسرنا أن الدكتور الطيب قد أكد أنه مع بناء الكنائس، مقتفيا فى هذا إثر خطوات فضيلة الشيخ السابق الدكتور سيد طنطاوى، ولكن تحفظنا هو فى اللغة التى إستعملها. فيقول الدكتور الطيب أن بناء الكنائس واجب على الدولة الإسلامية. وهنا نقول له مهلا يا فضيلة الشيخ فمصر دولة المفروض أنها مدنية حديثة وليست جزءا من الدولة أو الإمباطورية أو الخلافة الإسلامية التى مضى عهدها. كما أن المفروض أن مصر تحكم بواسطة دستور مدنى يساوى بين المسلم والمسيحى وبين المسجد والكنيسة. بناء الكنائس يا سيدى – مثل بناء المساجد - ليس واجبا على أحد يعتمد على حسن كرمه بل هو حق يرتكزعلى المواطنة لا يجوز لإنسان أن يسلبه منهم. إن المسيحيين لم يعودوا أهل ذمة فى حماية المسلمين، وأقباط مصر ليسوا زوارا أو ضيوفا فى مصر يعتمد بقائهم وتوفير إحتياجاتهم على كرم أحد. الأقباط يا سيدى أصحاب بيت.
شئ آخر أزعجنى فى تصريحات فضيلة الشيخ الطيب هو إستعماله لهذا الكليشيه الذى تعودناه من رجال السياسة، مثل الإسطوانة المشروخة، حين قال: "أنه لم يحدث أى شئ بين المسيحيين على أساس طائفى. إن ما يحدث من وقت لآخر من إعتداءات هو مجرد أحداث فردية وفتن بعيدة عن روح التسامح التى تجمع المسلمين والمسيحيين".
ولا أدرى كيف يطلق شيخنا الطيب عبارة عامة شاملة جامعة كهذه ويصف جميع الإعتداءات على مدى الثلاثة العقود الأخيرة على أنها كلها لم تكن على أساس طائفى وأنها كلها كانت مجرد أحداث فردية؟
هل هذا الوصف ينطبق مثلا على مذبحة أبو قرقاس فى فبراير ۱٩٩٧ حين أهدرت الجماعات الإسلامية دم عشرة من شبابنا القبطى بينما كانوا يتعبدون داخل كنيسة مار جرجس بالفكرية؟ هل قتل عشرة بواسطة مجموعة من العصابات الإرهابية يمكن تصنيفه على أنه حدث فردى؟ هلى قتلهم داخل الكنيسة بينما كانوا يصلون كان صدفة ولم يكن له أساس طائفى؟
حوادث العنف ضد الأقباط يا سيدى كثيرة جدا ولكن لنأخذ مثلا آخرا وهو ما حدث فى قرية الكشح ليلة دخولنا فى الألفية الثالثة حيث قام الجيران فى هذه المرة (وليس الجماعات الإرهابية) بذبح ۲۰ من المسيحيين كما تذبح النعاج. ثم بعد ذلك أشعلوا فى جثثهم النيران امعانا فى إظهار غلهم، لم يشفقوا على الشيخ أو المرأة أو الطفل. هل كان هذا أيضا حادثا فرديا وليس له أى بعد طائفى؟
وأخيرا يا سيدى هذا الحدث الذى مازال ساخنا والذى وقع فى ليلة عيد الميلاد حيث تم إطلاق النيران على الجمهور الخارج من الكنيسة فى نجع حمادى فقتل ستة من الشباب المسيحى. وأيضا قتل معهم شابا مسلما عن طريق الخطأ. هل كان هذه أيضا جريمة فردية ولا علاقة لها بالطائفية؟ إن رد الفعل عند عائلة الشاب المسلم الذى قتل تجيب على هذا التساؤل. فقد سمعنا أم القتيل تلوم المسيحيين لأن قتلهم تسبب فى قتل ابنها، وكأنهم كانوا فى نظرها الضحية والجانى فى وقت واحد! لقد شتمت الأم ولعنت المسيحيين لأنهم لو لم يقتلوا لما قتل إبنها. ولا أدرى هل من المفروض على المسيحيين أن يقدموا لهذه السيدة إعتذارا رسميا وتعويضا ماليا لأنهم تسببوا فى قتل ابنها لمجرد كونهم مسيحيين مستهدفين؟!. أما القتلة فيبدوا أنهم أبرياء لأنهم مجرد أناس يقومون بواجبهم فى التخلص من الكفار!!
سيدى شيخ الأزهر: نحن نتوسم فيك الخير. ولكن نريد أن نذكرك أنك رجل دين لا سياسة. ليتك تبتعد عن أساليب السياسة بما فيها أحيانا من مراوغة والتواء. إبدأ بداية طيبة يا شيخنا الطيب واستمر فيها بعون الله.
قل كلمة الحق ورزقك على الله يا راجل يا طيب.
Mounir.bishay@sbcglobal.net |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|