ثروت الخرباوي
يقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم (إن الظن لا يغنى من الحق شيئًا) ويقول الشاعر: «وإن الحق أبيض أبلجُ.. وإن الظن شكٌ لجلجُ»، وقد كان الظن عندى لجلجًا عندما توهمت أن جماعة الإخوان هى جماعة دينية تسعى إلى إقامة شرع الله
حينئذ التحقت بهذه الجماعة راجيًا من الله سبحانه أن يُسخرنى لهذا الدين وأن يساعد هذه الجماعة على توجيه جهود أفرادها إلى خدمة الإسلام وأهله، وحين انخرطت فى تنظيمهم كان ظنى لجلجًا عندما توهمت أن هذه الجماعة تعرضت منذ أزمان وآماد إلى اضطهاد، لأنها تحمل راية الإسلام، ودعوت الله سبحانه أن ينتصر لها، لأن ذلك سيكون نصرًا مؤزرًا للإسلام،
وبعد فترة من انخراطى فى الجماعة وقع فى ظنى اللجلج أنها جماعة أقرب ما تكون إلى الجماعة السياسية ذات الأفكار الدينية، وحين أجريت مراجعاتى وقع فى ظنى أنها مجرد جماعة متطرفة فهمت الدين فهمًا متعسفًا، واستمرت المراجعات فوقعت فى رحى الظن وكأن الظن لا يريد أن يغادرنى، إذ اعتقدت أنها جماعة سياسية تحمل مفاهيم دينية تكفيرية متطرفة وتريد أن تصل للحكم بأى طريقة ولو عن طريق خيانة الوطن
ثم زاد الظن فقلت إنها جماعة من الخوارج، واستمر الظن يؤرجح أفكارى إلى أن بلغ مبلغًا عظيمًا، فقال لى إن تلك الجماعة هى تتار العصر الحديث، إلى أن ظهر الحق الأبلج وتوارى الظن اللجلج، فقد أدركت أخيرًا ما هى جماعة الإخوان، هى ليست جماعة دينية متطرفة أو تكفيرية وليست جماعة عسكرية ولا سياسية، وليست كذلك جماعة للخوارج أو جيشًا للتتار، ولكنها «سوبر ماركت ومجموعة محلات بقالة» ولكننا فهمناها على غير حقيقتها، لأن السياسة والدين والتطرف والتكفير كانت مجرد بضاعة من بضائع السوبر ماركت وضعوها على الأرفف
فلفتت أنظارنا تلك البضاعة ولم ننتبه للأرفف والسوبر ماركت نفسه، ولكن كيف وصلتُ إلى هذا الحق الأبلج وتخلصت من الظن اللجلج؟! المسألة بسيطة ولا تحتاج إلى إعمال فكر أو التنقيب والبحث فى حفريات التاريخ، فعندما تم فض اعتصام رابعة سكت خيرت الشاطر، قائمقام الإخوان، ولم ينطق بكلمة ثم أخذ يفكر ويفكر، وعندما تمت إحالة قيادات الإخوان للمحاكمات أصيب خيرت الشاطر بالخرس، وقد التمس له البعض العذر، لأنه كان آنذاك فى محبسه رغم أنه كان فى استطاعته تسريب ما يشاء من تصريحات أثناء زيارة أقاربه له
ولكن يبدو أنه كان وقتئذ يفكر ويفكر، وبدأت المحاكمات، وسيق الشاطر مع رفاقه من أهل الإخوان وخاصتهم إلى المحاكمة، وكانت الأحداث تترى فى مصر، استفتاء على الدستور وخيرت الشاطر ليس هنا إذ إنه كان يفكر ويفكر، أحكام بالإعدام على المرشد وعشرات من الإخوان وجناب الكبير خيرت الشاطر ولا كأنه هنا ولكنه كان يفكر ويفكر! مفاوضات ومبادرات صلح وهذا يقول وذاك يبادر وجمعيات تتشكل وتحالفات وهمية تنعقد، تسمى نفسها تارة «جبهة الضمير» وتارة أخرى «تحالف دعم الشرعية» والفوهرر أدولف الشاطر صامت صمت القبور
ولا عجب فإنه كان يفكر ويفكر، ثم انتخابات للرئاسة والشاطر الذى شطر الجماعة لا يملك إلا أذنًا من طين وأخرى من عجين، ولكن خفف من غلواء صمته أنه كان يفكر ويفكر، ولكن يحدث شىء رهيب يحرك الساكن، انتظر لا تقع فى الظن مثلى، فلم يتم إعدام المرشد أو مرسى، ولم يتم القبض على محمود عزت، ولكن الشىء الرهيب الذى حدث هو أن السلطة القضائية أصدرت قرارها بالتحفظ على محلات السوبر ماركت للبقالة «خير زاد» المملوكة للمغوار الإسلامى الفدائى الفقيه المجاهد خيرت الشاطر، هنا تخلى الشاطر عن التفكير وانطلق لسانه الساكن الساكت صارخًا، ومن داخل القفص فى المحكمة ولأول مرة نسمع ذلك الصوت الأجش الجهورى وهو يقول: «من اغتصب حكم البلاد وحكم مصر سهل عليه اغتصاب المحلات، وسوف يورينا فيهم ربنا يومًا».
ولأن الله أطلق لسانه بعد طول سكوت فقد انطلق من شأن البقالة إلى شأن الجماعة صاحبة محلات البقالة، فقال: «ربنا سوف ينصرنا عليهم وميعادنا يوم عودة الرئيس مرسى فى ميدان التحرير»، وانتهى من صراخه وهو يهتف «يسقط يسقط حكم العسكر» والحمد لله الذى أنطق الشاطر صاحب محلات بقالة «جماعة الإخوان» للدين والسياسة وقمر الدين والياميش وفوانيس رمضان والجبنة الرومى والزيتون وكل أنواع المخللات، وصدق من قال: لقد أخذنى العجب من انتشار الإسلام فى العالم رغم وجود جماعة الإخوان!.
نقلآ عن المصري اليوم |