إنعام كجه جي
يوم دعا الرئيس ديغول الممثلة بريجيت باردو إلى حفل في «الإليزيه»، لم تذهب مرتدية فستانًا للسهرة، بل سروالٌ أسود وسترة مستوحاة من أزياء الفرسان وجزمة عالية العنق. وقد مد يده لمصافحتها وهو يقول بصوته الجهوري: «أهذه أنت بريجيت باردو؟ لقد ظننتك من بعيد أحد العساكر».
باردو كانت آنذاك، عام 1967، في عز نجوميتها. وكان الجنرال يعتبرها من مصادر الدخل القومي، مثل طائرات «ميراج» وسيارات «بيجو» وعطور «شانيل»، والعالم كله يتخطف أفلامها. ولم تكن دعوة ممثلة الإغراء حالة فريدة، فقد تردد على القصر الرئاسي فنانون وشعراء ومغنون كثر، دعموا بشهرتهم سياسات الرئيس ذي القامة الشاهقة.
الفضل في تلك العلاقة الودية بين الجنرال والمبدعين يعود إلى رفيقه الكاتب أندريه مالرو. وعندما عاد ديغول إلى الرئاسة، في مطلع 1959، طلب من رئيس وزرائه ميشيل دوبريه أن يستبقي مالرو، الذي كان قبلها مسؤولا عن شؤون الإعلام، وأن يجد له موقعًا ذا علاقة بالكتّاب والمثقفين. قال له: «حاول أن تفصّل له وزارة على مقاسه». وهكذا ولدت وزارة الثقافة الفرنسية وظلت مستقلة عن الإعلام.
أحاطت الشائعات العاطفية بكل رؤساء الجمهورية الخامسة. وبعد فضيحة هولاند مع الممثلة جولي غاييه، أسهبت الصحافة في استعادة قصص العلاقات التي أقامها ساكنو «الإليزيه» خارج أسوار القصر. وقد اكتشف الجيل الجديد من الفرنسيين أن ديغول لم يكن فوق الشبهات. حتى أنت يا جنرال؟ قيل إن الرجل أُغرم بسيدة تعمل في مسرح «الكوميدي فرانسيز» وكان يتردد عليها. لكنها حكاية عابرة لم تفسد الود بينه وبين زوجته التي عاشت معه نصف قرن وأطلق الفرنسيون عليها لقب «العمة إيفون».
لم تكن إيفون فوندرو بسيطة وساذجة كما أُشيع عنها. ولما أراد زوجها إطلاق نداء لتأسيس حزب باسم «تجمع الشعب الفرنسي»، قالت له: «يا صديقي المسكين... لن يتبعك أحد». هذا ما سجلته المؤلفة فريديريك دوفور في كتاب عن المرأة التي كانت أول من حمل لقب «سيدة فرنسا الأولى». وجاء في الكتاب أن الجنرال رد على زوجته: «حلّي عني يا إيفون... أنا كبير بما يكفي لأعرف كيف أتصرف».
تتذكر فرنسا مواقف الجنرال لأنها تعاني أزمة زعامة. والرئيس الاشتراكي الحالي «فاتر» ولا يعجب الناس، عاجز عن حل المشكلات الاقتصادية وصدّ زحف البطالة. أما اليمين المعارض فإن نجومه تأفل نجمًا بعد نجم، بسبب قضايا الفساد. وقديمًا قال شاعرنا العربي أبو فراس الحمداني:
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
زعيم عنيد وصفه الشاعر والسفير سان جون بيرس، ذات يوم، بأن ديغول «ديكتاتور تحت التمرين». لكن الجنرال تنحى عن الحكم يوم لم يمنحه الشعب كامل التفويض لإجراء الإصلاحات الإدارية التي يريد. وتبقى أشهر عباراته، وأبلغها، تلك التي أطلقها في مؤتمر صحافي حول الأحداث الجارية في الجزائر، عام 1958. قال: «لماذا تريدونني، وأنا في سن السابعة والستين، أن أبدأ مهنة ديكتاتور؟».
نقلآ عن الشرق الأ وسط |