جاءني صاحبي ساخطاً مكتئباً كعادته كلما حزبه الأمر أو أضناه التفكير في مسألة يراها معضلة لا حل لها وغمغم بصوت مخنوق وهو يجلس: - إلي متي؟ أريد أن أعرف إلي متي؟
كان يزفر وكأنه يوشك علي الاشتعال وبعد أن عالجته بالمرطبات والمهدئات سألته عما يضايقه لهذه الدرجة وماهية الزمن الذي يستبطئه ويتعجله في نفس الوقت وهتف وهو أكثر هدوءاً وأقل انفعالاً: هل تابعت أحداث الانتخابات الأمريكية الأخيرة؟ أدهشني ما قاله لأننا أصبحنا في أبريل والانتخابات الأمريكية انتهت في نوفمبر 2008 أي مضي عليها قرابة خمسة شهور كاملة وباتت بمثابة »خبر قديم« فما الذي جدد أشجانها لدي صاحبي العتيد؟ المهم أنني أجبته: طبعا فماذا يغريك بالكلام عنها والتفكير فيها بعد مرور كل هذا الوقت؟ رمقني ساخراً وهو يقول لأن الشيء بالشيء يذكر ونحن الآن في 2009 وانتخابات الرئاسة القادمة في 2011.
وزادني عجبا ولم أفهم بعد ما الذي يحنقه ويغضبه في إجراء انتخاباتنا في 2011.
- وهل تري في هذا خرقاً لناموس الكون؟ أو كنت تفضل أن تجري انتخاباتنا مع الانتخابات الأمريكية في نفس الوقت من باب المساواة بالدول الكبري علي الأقل؟ أغضبه ما بدا في كلامي من سخرية فانطلق يغرد كالعصفور الحزين.
طوال عامين يسبقان الاقتراع علي اسم الرئيس الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية تنشغل الأمة الأمريكية بأسرها بأحداث العملية الانتخابية علي جميع درجاتها بداية من معركتين متتاليتين الأولي علي مستوي الأحزاب التي تجري فيها انتخابات لاختيار مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة واختيار المرشحين لمنصب حكام الولايات وبعدها تجري عملية الإعداد للانتخابات الرئاسية تنعقد المؤتمرات علي مستوي جميع الولايات وتنظم الاجتماعات السياسية والحفلات الاجتماعية بغرض تقديم المرشحين للشعب الأمريكي وتصبح أمريكا كلها ولا حديث إلا حديث الانتخابات والاستفتاءات التي تجري قبلها وتقيس بشكل علمي دقيق اتجاه التربح وفرص كل مرشح في الفوز..
وحالة من الجدل الساخن والحوار الدائم بين الأمريكيين جميعاً حول الموضوع ليس الأمريكان فقط بل بات العالم كله مشغولاً بانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة وحتي هنا في مصر نذكر جميعا اهتمامات الشارع المصري بشخصية الرئيس الأمريكي القادم والمفاضلة بينه وبين منافسه منذ كنا طلبة في الجامعة وأنا أذكر متابعتنا للمعركة الانتخابية بين كيندي ونيكسون ثم بين جونسون وهيربرت همفري ثم باقي المعارك تباعاً حتي كلينتون وبوش وأخيراً بين أوباما وجون ماكين وأذكر تفاعلنا مع أحداث كل هذه المعارك خصوصاً بعد دخول الساتلايت والبث المباشر وأتيح لنا أن نشهد أحداث هذه المعارك علي التليفزيون في نفس وقت حدوثها والمعني الكامن وراء كل هذا أن الشعوب الحرة مطلقة السراح تتفاعل بمنتهي الإيجابية وتشارك في أهم الأحداث التي تمر بها لإحساسها بأنها »صاحبة هذه الأرض« ووحدها تقرر من يحكمها وتضاعف معارك ومنافسات الانتخابات لدي هذه الشعوب من إمكانات تطوير آليات الحكم وإعداد أجيال تالية تهضم النظام الديمقراطي وتمثله بشكل طبيعي تلقائي.
وأقول لك الآن ما الذي أهاج علىّ شجون وذكريات حملة الرئاسة الأمريكية والأمر يا صديقي تمثل في فتح الموضوع.. والموضوع هو الانتخابات التي ستجري في 2011 لاختيار رئيس مصري جديد »هل سيكون جديداً حقاً«، وحاولت أن أرصد ما الذي يجري علي مستوي الإعلام المرئي والمقروء أو علي مستوي الشارع السياسي عموماً والشارع الشعبي علي الأخص! تري ماذا وجدت..
وماذا لاحظت أنت وكل المصريين معك؟ .. لا شيء...!
حقيقة لا شيء اللهم إلا مناقشات أو تلقينات تجري داخل مكاتب الحزب الوطني الديمقراطي! هو فقط الذي يفكر فيما سيحدث في 2011 أما باقي جماهير الشعب المصري فهي بصراحة لا تأبه ولا تبالي وليس عندها أية موانع من أن يتولي الحكم أي شخص مهما كانت ماهيته أو أصوله أو صفاته ودعنا لو سمحت من كتابات المعارضين في الصحف أو خطبهم في المؤتمرات الهزيلة..
آسف أعني »اللي علي قد حالها« فالناس تقرؤها أو تسمع إليها بنصف عين ونصف أذن ولا تلبث ان تنحيها عن النظر وتسقطهاعن الأذن والإحساس يغمرها بأن ما يقال سبق أن قيل أن دعاوي الحركة والتغيير والإصلاح بل والثورة كلها لا تحرك شعرة في رأس السادة الحكام وبالتالي لا تثير أي نوع من الحراك مثل ذلك الذي حدث في 2004 - 2005 والذي كان أشبه بالسراب لم يلبث أن غاب مع غياب شمس غير جادة والجهد الإعلامي الذي ىُبذل يمضي في طريق واحد لا سواه علي الجانبين جانب النظام بكل ما يمتلك من أدوات التأثير والفعل وجانب من المعارضين بكل ما لا يملكونه من ذلك..
الجانب الأول يعمل بكل طاقته لتهيئة الأذهان لقبول فترة سادسة للرئيس الحالي أو فترة أولي لمرشحه »المختار« أما علي الجانب الآخر فيظل السادة المثقفون من المستقلين »ونقصد بهم غير المنضمين لأي حزب« وباقي فصائل ذلك الكيان الهلامي غير محدد المعالم الذي تسميه بالمعارضة يهتفون من أجل التغيير دون أن يكون لهم مشروع حقيقي أو خطة للتغيير! فلأي جانب تري سيادتك أن ينصرف اهتمام الجماهير؟ الجماهير يا سيدي الفاضل لا تهتم بنتيجة المعركة »الباردة« لاختيار الرئيس ولسان حالها يقول »أحمد زي الحاج أحمد طالما ظل النظام هو النظام« الجماهير يا أخي العزيز تهتم فقط بالمصارعة الحرة التي شرح لهم أسرارها الكابتن ممدوح فرج في لمس أكتافه ويمارسونها يومياً مع وزارات الجباية والفقر والجوع التي يرأسها الدكتور نظيف ووكيله الرسمي لجمع النقود وتخليص جيوب المصريين منها الدكتور يوسف غالي شفاه الله وأدامه زخراً للخزانة المصرية والجماهير أيضا يا صديقي تفكر في مصاريف المدارس وتدني التعليم وفي أزمات المياه والمجاري ورغيف »العيش« تماماً كما يفكرون في معضلة تشغيل العاطلين وإيجاد المسكن الرخيص.
في كل هذا يفكر المصريون وليس في موضوع سيحل موعده بعد عامين ولن يقدم أو يؤخر في مسيرة التردي العظيم الذي نشهده في أزهي عصور الديمقراطية والشعب »النمرود« الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب وتلك حكاية أخري أرجو أن أحكيها لك قريبا.
حاولت قدر ما استطعت أن أكتب سطوراً أودع بها شوقي شامخ الفنان الجميل الذي فقدناه وشيكاً ولكني عجزت نفسياً وعاطفيا فشوقي لم يكن مجرد فنان ممثل مجيد ولا مجرد صديق ارتبطت به زمناً وأحببته كما لم أحب شقيقي والفجيعة هي الخرس بعينه حيث يعجز اللسان وتفيض الدموع كان شوقي أكبر من كل حزن نحزنه عليه.. كان.. وكان.. وما أشق كلمة كان حين تتحدث عن أحبائنا.
نقلا عن جريدة الوفد |