CET 00:00:00 - 06/04/2010

مساحة رأي

بقلم: د. أحمد الخميسي 
مرت مئة وثمانية عشر عامًا على ذكرى ميلاد سيد درويش دون أن تجد الذكرى جهة حكومية تحتفل بها.. فلم نرَ عرضًا مسرحيًا له في دار الأوبرا، ولم نسمع أن الإذاعة خصصت لموسيقاه العبقرية يومًا، ولا أفرد له تلفزيون "عبودة ماركة مسجلة" مساحة تليق بعملاق بن موسيقى مصر الحديثة بكل أشكالها، وأنشأ المسرح الغنائي، ووهب قلبه وعقله وعبقريته للموظفين والباعة والكناسين والعمال وغنى لهم "مين ف اليومين دول شاف تلطيم.. قد الصنايعية المظاليم"..
 
مرت ذكراه دون احتفال وهو الذي وضع قالب النشيد القومي، وتغنى بثورة 19 وأجج كفاحها ضد الاستعمار، وناصر تحرير المرأة، ولم يترك ضميرًا أو روحًا إلا وسكب فيها نور أنغامه.. وحدهم أهل "كوم الدكة" في الأسكندرية احتفلوا بمبادرة ذاتية بتلك المناسبة بمشاركة قهوة "فرج"، وقهوة "عبد المنعم" في الحي الذي وُلد به خالد الذكر.. وقد طالبنا قبل ذلك مرارًا بأن تقدم الأوبرا أعمال سيد درويش بجزء طفيف مما تنفقه على "سندويتشات" المهرجانات.. لكن دار الأوبرا التي فتحوها منذ عام لموسيقار إسرائيلي آفاق تظل مغلقة أمام ابن مصر الذي قال عنه صلاح جاهين إنه "زي الجن.. ولا لحظه بيهمد ولا بيون.. ده وتر مشدود يابا.. لمسوه من كام ألف سنة.. ولساه بيزن!"..

ومازالت دار الأوبرا التي تضع في الصدارة تمثالا لأم كلثوم وآخر لعبد الوهاب تأبى أن يرتفع في جوها تمثال سيد درويش مؤسس المسرح الغنائي اختصاص الأوبرا! ومازالت الدولة تتجاهل أهمية تحويل منزل سيد درويش في القاهرة إلى متحف.. ولا أجد سببًا لكل ذلك الظلم سوى أن الدولة تستشعر الخطر في كل ومضة قد تذكرنا بلحظات الثورة في تاريخنا، وتستشعر في كلمات بديع خيري تهديدًا اجتماعيًا وتعرية للحاضر، ولهذا تتفادى الدولة أن تضع نار اللحن العبقري قرب بارود الغضب على الواقع الراهن..

 وعلى مدى عقود طويلة تمكنت الدولة ووزارة الثقافة من تحويل سيد درويش إلى صنم يجهل الناس أثره وقدره الحقيقي بدلاً من أن يكون قيمة ثقافية حية ومؤثرة في الواقع.. ورغم كل ذلك ظلت تقرع الأجراس "جمعية أصدقاء موسيقي سيد درويش" التي أسسها في عام 1947 يوسف حلمي وتوفيق الحكيم وعباس العقاد وبديع خيري وبيرم التونسي وأم كلثوم وزكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وغيرهم، والأمين العام للجمعية حاليًا هو محمد حسن سيد درويش حفيد الموسيقي الكبير، ويرأسها إبراهيم حجي.. وتقوم الجمعية بتدريب كورالاً من الشباب على غناء ألحان سيد درويش وتقديم العروض التي تذكر به، كما نجحت الجمعية في وضع أرشيف كامل بأعمال خالد الذكر.. وتشغل الجمعية منذ نحو أربعين عامًا حجرة في "أتيليه القاهرة".. ومؤخرا ترأس الأتيليه الفنان التشكيلي د. صلاح عناني الذي يطالب الجمعية بالتخلي عن الحجرة – مقرها الوحيد – والانتقال إلى حجرة أخرى صغيرة لا تتسع لبروفات الكورال ولا تفي باحتياجات النشاط..

ولا أصدق، ولا أريد أن أصدق أن "أتيليه القاهرة" الذي تم إشهاره عام 1953 كجمعية أهلية تحت مسمى "جماعة المثقفين والكتاب" قد يطرد أو يحاصر محبي موسيقى سيد درويش، خاصة حين يكون على رأس الأتيليه فنان تشكيلي مثقف.. كنت أتصور على العكس من ذلك أن يدعو مجلس إدارة الأتيليه جمعية أصدقاء موسيقى درويش لاجتماع تطرح فيه أساليب دعم وتطوير عمل الجمعية ودفعها للمزيد من النشاط.. لا أصدق ولا أريد أن أصدق أن يتم طرد فنان الشعب المصري سيد درويش من آخر ركن له في القاهرة، إلا إن كانت مصر كالقطة تأكل بنيها الذين أشعلوا في قلبها أحلام الحرية والتقدم والاستقلال. 
 
Ahmad_alkhamisi@yahoo.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق