بقلم: عزت بولس
السيدات والسادة
أهلا بكم جميعًا.... لكوني الآن عامل منذ ما يزيد عن الخمس سنوات بالمجال الإعلامي فقد أثرت أن تكون كلمتي عن"دور الإعلام في عرض المسألة القبطية؟" وقبل الخوض في تفصيلات ذلك الدور يكون من الهام تسليط الضوء على نقطتين غاية في الأهمية برأيي.
الأولى: تأثير وسائل الإعلام المختلفة على الرأي العام في مصر، ومدى قدرتها على توجيهه.
الثانية: ما يمكن أن تحققه الصحف الإليكترونية القبطية التمويل والتأسيس من وعي في عقل المتلقي المصري بالأخر المسيحي المتألم المنتهك الحقوق، وهو دور من الجدير الحديث عنه خاصة في ظل الطفرة التكنولوجية العالية التي نحياها والتأكيدات على أن المستقبل سيكون للصحافة الإليكترونية.
لننتقل بعد ذلك للتساؤلات الكبيرة التي هى من قبيل كيف لنا أن نواجه ونتعامل مع المشكلات القبطية داخل مصر والتي يتعرض من خلالها المسيحي لتمييز واضح وفج؟ كيف يمكننا تحقيق تغيير إيجابي في عقل المصري قبل القوانين ليتقبل الأخر المختلف عن معتقده الديني ويحترم حقه في وطنه ومصريته.
بدون شك تُساهم وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها والموجود عبر الإنترنت بدور كبير في رسم ملامح توجهات الرأي العام داخل مصر،والإنترنت هو العامل الأخطر برأيي في توجيه الرأي العام المصري ويكفي أنه قد أوجد على سطح الحياة السياسية الراكدة حركات احتجاجية ومجموعات معارضة شبابية التأسيس والنزعة ،وسائل الإعلام داخل مصر أنواع متعددة فهناك الصحف القومية كما يطلق عليها أصحاب الياقات البيضاء ، ولكنني أري أن المصطلح الأنسب لوصفها" الإعلام الحكومي" الذي يأتي متواضع في مجملة من حيث المهنية وعناصر الإبهار والتأثير في عالم اليوم، إضافة لكونه-الإعلام الحكومي- مغُيب عن أية تحليلات تحترم عقل المتلقي لتفسير القضايا الكبري للوطن حيث الإعتماد بشكل أساسي على البيانات الحكومية الأمنية في بعض القضايا ولنا في نماذج التغطية الإعلامية الحكومية للأحداث الطائفية بمصر خير دليل على صحة رؤيتي،وإن كانت الجهات المعنية لا تمنع من ظهور تقارير من حين لأخر تحمل نصف حقيقة بعض الأوضاع بحيث يبذل المتلقي مجهود مضاعف ليفهم ما وراء الحديث.
وسائل الإعلام الأخري بمصر يُطلق عليها"الخاصة" أي تلك يملكها فرد واحد أو قد يتشارك مجموعة فيما بينهم على تأسيسها، وهى تعد أفضل حالاً من نظيرتها الحكومية في تناول بعض القضايا كالبطالة والفساد الإداري، لكن التعامل مع الأزمات الطائفية أو أي قضايا تتعلق بحقوق المسيحيين إذا كان لها بعد ديني إسلامي فحدث ولا حرج عن حجم التستر على الحقائق وإخفائها وتلوينها بصورة تدعو للأسف والحزن معًا.
وباء "أنفلونزا الخنازير" تتذكرونه جيدًا لا شك وأنا أيضًا أتذكره ومن خلال ذكراه يمكننا إستنباط الكيفية التميزيه التي تعاملت بها وسائل الإعلام المصرية مع تلك القضية لا لشيء سوى لأن المتضررين منها مسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية في الحقوق.
فالمعروف أن العاملين بمجال رعاية"الخنازير" بمصر ليسوا إلا مسيحيين لاعتبار أن ذلك الكائن وفق الفكر الإسلامي"نجس" لهذا تهافتت الأقلام والتغطيات الصحفية معلنه مباركتها الإعدام الجماعي لـ" الخنازير" تحت هدف ظاهر وهو "حماية المصري من وباء الخنازير" في حين أن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق بل كان لنصره أفكار دينية متشددة،ويكفي أن منظمة الصحة العالمية المعني الأول بالحديث عن طبيعة وباء"الخنازير" أكدت وعبر أكثر من طريقة أن الوباء القاتل لا ينتقل للإنسان من خلال استهلاك لحوم الخنازير أو التعامل مباشرة معهم!!
لكن بالنهاية نجحت الحملة الإعلامية الحكومية والخاصة في ذبح نحو ما يقرب من مائتان وخمسون ألف خنزير لتتشرد ألاف من الأسر المسيحية التي كانت تعيش على دخل تجارة وتربية الخنازير،وقد ساء ذلك الموقف إلى مصر أمام العالم وجميعنا لا ينسي مشاهد ذبح الخنازير وقتلها بالجير الحي في مشهد لا يصح أن نراه بعصرنا الحالي من إنسان يفترض أن تضيف له السنوات قدر من التحضر حتى في التعامل مع الحيوان.
الإعلام المصري أيضًا بشقيه الحكومي والخاص أساء للمصريين المسيحيين الذين يعيشون بالخارج ومهمومين بالقضية القبطية داخل مصر وأطلقوا عليهم"أقباط المهجر"و بفضل مجهودهم المضني لأي مقاوم للتمييز ضد المصريين المسيحيين تم فعليًا تلوين ذلك المصطلح داخل العقلية المصرية باتهامات الخيانة والعمالة والصهيونية ووو لأخر تلك الأسطوانة المعروفة الألحان. مع ملاحظة أنه لم يُطلَق على المسلمين المقيمين فى الخارج "مسلمى المهجر".
وسط كل السلبيات تلك للإعلام بمصر هناك وسائل إعلام قبطية التمويل والتأسيس مصرية الطابع أظنها بارقة أمل كبيرة تستحق الدعم لُتكمل مسيرتها في تنوير المتلقي المصري بحقيقة ما يعانيه المسيحي من تمييز لا يؤثر عليه فقط بالسلب وإنما على مستقبل الوطن ككل، المثال الأكثر نجاحًا لتلك النوعية من الصحف الورقية بمصر يتجسد في جريدة" وطني" المصرية الأسبوعية والتي تأسست عام 1958 وهى تحمل قدر عالي من الاحترام للمتلقي وتسعي فعليًا لإعلاء قيمة"المواطنة" رغم محدودية مواردها المادية قياسًا بالصحف الخاصة الأخرى البازغة على الساحة المصرية منذ سنوات قليلة، وقد حاول بعض الأقباط أن يكرروا تجربة"وطني" لكن الأوضاع لاتسمح ولا أظنها قد تسمح من داخل مصر حاليًا قد يظهروا من خلال ترخيصات صحافة من دول أجنبية للصدور داخل مصر.
الإعلام المرئي لا مكان للصوت القبطي داخله فالمتاح حاليًا من فضائيات هو ديني الطابع والهدف ومن ثم لا مجال حقيقي واضح لصنع نقله حقوقية بداخله، ولهذا الإنترنت هو بداية أفاق المستقبل لتحقيق نقاط نجاح لدفع التمييز عن الأقباط للنهاية، وأقول ذلك وكلي ثقة وأمل بتلك الأداة الجديدة-الإنترنت- حيث السرعة والشجاعة في العرض دون حدود الشكل الورقي للصحف، وهنا يُسعدني عن الصحيفة التي أتشرف برئاسة تحريرها الأن "الأقباط متحدون" والتي أصبحت بكل فخر مصدر لمعلومات الصحف الورقية المصرية وأحيانًا بعض الفضائيات عن كل الأحداث الطائفية، إضافة لهذا يُسعدني الإعلان عن توسعنا لمناقشة كل قضايا المجتمع المصري على نحو مهني مشرف جعل كثيرين يشيدون بمجهودنا الصحفي ومجموعتنا التحريرية المتميزة والذين يقتربون من الثلاثين منهم المسيحي والمسلم أيضًا فنحن لانُقيم الفرد لمعتقده الديني،"الأقباط متحدون" صحيفتنا الإليكترونية اليومية بشقيها العربي والإنجليزي منذ أن تأسست عام 2004 وحتى الآن تستحق أن تحمل أسم مؤسسها الراحل م. عدلي أبادير يوسف.
فلنتفاءل جميعًا عصر اليوم ليس كالأمس، وستحقق المواطنة الكاملة لكل المصريين بمجهوداتنا ومشاركة رفقاء مسلمين يحملون مصر في قلوبهم قبل أي معتقدات أخرى ولنكون أكثر إيجابية، فالحقوق لن تأتي هكذا دون مجهود وثمن منا ولنتذكر مقاومة ورفض أهالي قرية "دير أبو حنس" بملوي المنيا لتغيير أسم قريتهم ونجاحهم في تحقيق ما أتحدوا من أجله بعد أن أعلنوا رفضهم للعالم كله دون خوف لما يقع من ظلم بحقهم.
والآن بنهاية كلمتي أود توجيه خالص الشكر والتقدير للقائمين على"المنظمة العالمية لحقوق الإنسان بألمانيا" لكونهم أتاحوا لي ولغيري الفرصة لعرض مفردات القضية القبطية بشكل حقوقي راقي،وكلي أمل أن يستمر التعاون البناء في المستقبل بين المنظمات الحقوقية المختلفة لمساندة كل أصحاب الحقوق الضائعة بأوطان كانت تتسع لجميع أبنائها. |