من الدعوات التى أحبها جداً «روحى الله يسترك» أو «يسترها معاك»، وأعتقد أنها من الدعوات المصرية التى لا تجدها فى دول أخرى بنفس الصيغة، والأحلى عندما تكون الدعوة «ربنا يسترها معاك دنيا وآخرة»، والستر معروف أى البعد عن أى فضيحة، ولكن هذا هو المعنى السطحى.. أما المعنى الأعمق فهو عدم الاحتياج لأحد أو مد اليد طلباً لمعونة أو مال، وإذا ما توقفنا أمام المعنيين معاً.. البعد عن الفضيحة وعدم طلب العون ودمجهما لوصلنا إلى معنى الستر..
وفى أيامنا هذه نطلب الستر فى أمور كثيرة، نطلب الستر لو دخلنا مستشفى فوقع حظنا فى طبيب مبتدئ أو ذى خبرة ولكن مستعجل أو ممن يقلبون الزبائن، واحد يدخل وآخر ينتظر فى الغرفة المجاورة وهو بينهما يفكر فى العدد الكبير الذى ينتظره فى الخارج، فينسى ما قاله الأول والثانى ويصف للثانى علاج الأول، وطلب الستر عندما نعبر الشارع فليس فى ثقافتنا ما يقول تمهل للمشاة، وليس فى شوارعنا أماكن عبور مشاة..
نطلب الستر لو وقعنا فى أيدى أمين شرطة أو ضابط ممن يعتقدون أن الاستقواء على البشر ممنوح لهم مع السلطة التى بين أيديهم، ونطلب الستر لو ركبنا «ميكروباص» أو «توك توك»، يكون سائقه عادة «مبرشم» أو «متعاطى» الحشيش ولا يصل الركاب إلا ببركة ستر ربنا، ونطلب الستر فى قائمة طويلة أخرى فى طعام انتهت صلاحيته أو مغشوش أو جبن بالفرمالين أو لحم بديدان أو فراخ بالهرمونات أو خضر وفواكه مسرطنة..
ونطلب الستر لأمور كثيرة أخرى، فالقائمة طويلة، ولكن أضف إليها مؤخراً الموت مستورين، ألا تذكر أخبارنا على صفحات الحوادث كأن نموت على الطريق الزراعى، بعد أن تركب علينا عربية نقل، نعس سائقها فريَّح قليلاً فوق عجلة القيادة..
أما آخر ما ضم إلى قائمة الستر هو أن نطلب من الله سبحانه وتعالى ألا يكون هناك مجرم قرر أن يستل سكينة ويمشى وإحنا وحظنا.. الستر هو أن يسترها معنا مع قليل من حلاوة الروح ممكن أن يقول البعض يا روح ما بعدك روح، ولو ابتعد عنا فلا يهم من يقتل سوانا.. لا أقول كلامى عن فراغ، فلقد قرأت حوادث القتل مؤخراً بشكل كبير ولأول مرة أفهم معنى عبارة أن يقتل بدم بارد.. والحادثة الأخيرة، التى جرت للطفل «يوسف» فى العين السخنة، وقبلها «نادين وهبة» وغيرهما كثير مما نقرأه يومياً فى صفحات الحوادث خير دليل..
وإذا ما توقفت قليلاً أمام جريمة قتل «يوسف» واسترجعناها وجدت شاباً حاصلاً على ثانوية عامة، أتى حسب المعلومات المتوافرة عند كتابة المقال، متسللاً شاهدته الأم فذهب وعاد مرة أخرى بعد ساعة وطرق الباب فعندما فتح له الطفل سدد له ١٥ طعنة نافذة أنهت حياته.. يعنى ببساطة هنا ودون أن أصادر على الرأى العام، ودون أن أتدخل فى التحقيقات ودون أن أعرف الخلفيات الأمر واضح مع سبق الإصرار والترصد.. قد تكون هناك حكاية للقاتل لا نعرفها، وقد يسارع البعض للقول بأنه عاطل ولا يجد عملاً وكلها تسكن سوء الأحوال الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة، كلها أمور أتفهمها ولكن لا أستطيع أن أتفهم أن تكون سبباً للقتل.
نقلا عن المصري اليوم |