بقلم : د.عبدالخالق حسين والجدير بالذكر أني نشرت عن هذا الموضوع (المشاركة والمحاصصة) مقالين، أحدهما قبل عدة أعوام بعنوان (المحاصصة شر لا بد منه!! )، والثاني بعنوان: (حول إشكالية المحاصصة) قبل أشهر. وفي كلا المقالين أوضحت أنه نظراً لإنقسام الشعب العراقي على نفسه إلى تعددية الأقوام والأديان والمذاهب، وإذا أراد هذا الشعب أن يعيش بسلام، فلا بد من حكومة تضم ممثلين عن جميع مكوناته ووفق الاستحقاق الانتخابي. ونتيجة لهذه الحقيقة، تشكلت الحكومات المتعاقبة منذ سقوط حكم البعث عام 2003 من جميع مكونات هذا الفسيفساء العراقي الجميل. ولكن هذه الحكومة الائتلافية (المشاركة الوطنية) التي ضمت ممثلين من جميع الأطياف، لم تمر بسلام، إذ ظهرت علينا جماعة من أعداء المشاركة فأطلقوا عليها عبارة "حكومة المحاصصة الطائفية البغيضة". وهذا يدل على أن الذين رفعوا عقيرتهم بالصراخ ضد ما أسموه بـ"المحاصصة" إنما يقصدون المشاركة، أي قول حق يراد به باطل، وغايتهم من ذلك إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، أي إلى عهد استحواذ فئة واحدة على السلطة والنفوذ، لتفرض سلطتها على بقية المكونات بالنار والحديد، تماماً كما كان عليه الوضع في عهد البعث الفاشي الساقط. ومن هنا نعرف أن المؤيدين لشراكة مختلف المكونات الوطنية يطلقون عليها كلمات مهذبة مثل (حكومة الشراكة الوطنية)، أما الذين يعارضونها فيستخدمون تعابير بذيئة ضدها لتشويه صورتها فيسمونها (حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية البغيضة)، وهي عملية تلاعب بالألفاظ ليس غير، أما المعنى فواحد. يقول الراحل علي الوردي في موضوع اللفظ والمعنى ما يلي: "إن اللفظ هو الوعاء الذي توضع فيه المعاني، فالوعاء يجب أن يكون نظيفاً سهل التناول وفيه من الاناقة الطبيعية ما يساعده على أداء وظيفته. أما إذا كان قذراً مثلوماً فإن النفس تمج الشرب منه على أي حال". ونستنتج مما تقدم أن العيب ليس في أن تضم الحكومة الإئتلافية ممثلين من مكونات الشعب، بل العيب في التسمية البذيئة عن قصد سيئ لتقبيح معنى المشاركة وتشويه صورتها لدى المواطن. ومع الأسف الشديد وقع كثيرون من الأخيار، وحتى من دعاة المشاركة أنفسهم، في هذا الفخ، فراحوا يستنكرون أية حكومة تضم مختلف مكونات الشعب وأطيافه السياسية والقومية والدينية، ويصفونها بأنها حكومة المحاصصة الطائفية العرقية البغيضة!!. سيناريوهات تشكيل الحكومة الجديدة السيناريو الأول: حكومة الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، يعني في هذه الحالة أن يقوم رئيس الجمهورية الجديد بتكليف الدكتور إياد علاوي زعيم كتلة "العراقية" بتشكيل الحكومة دون مشاركة أية كتلة أخرى، وذلك وفق مبدأ «الفائز يأخذ كل شيء the winner takes it all»؟ السيناريو الثاني: حكومة الوحدة الوطنية، أي حكومة تتشكل من جميع القوى السياسية التي لها تمثيل في البرلمان بغض النظر عن نسب هذا التمثيل كما هي الحال في حكومة السيد المالكي الحالية. وإذا كانت هذه الحكومة مقبولة خلال السبع سنوات الماضية فلأن الديمقراطية كانت هشة وغير مستقرة، ولكنها غير مرغوبة في الوقت الحاضر لأن هذه الحكومة تكون ضعيفة بسبب عدم الانسجام بين مكوناتها، ولأنها بدون معارضة برلمانية، أو هناك معارضة ولكنها تتصف بالازدواجية لأنها مشاركة في الحكومة ومعارضة لها في آن واحد، بينما المطلوب في النظام الديمقراطي أن تكون هناك معارضة ديمقراطية صريحة من خارج الحكومة، ممثلة في البرلمان لتراقب أداء الحكومة وتحاسبها، لأنه لا يمكن أن تكون حكومة ديمقراطية صالحة بدون معارضة ديمقراطية صالحة. لذا فهكذا حكومة مؤلفة من جميع الكيانات السياسية هي الأخرى غير مرغوب فيها. السيناريو الثالث، يرى البعض أن تتفق كتلة كبيرة مثل "العراقية" أو "دولة القانون" مع بعض الكيانات السياسية المنضوية في التحالفات الأخرى، وطرحوا في هذا الصدد التيار الصدري الذي حصل على 38 مقعداً في البرلمان، وكيانات أخرى مثل التوافق، والتغييرالكردستاني...الخ. السيناريو الرابع: أن تتفق جميع الكتل الأربع الكبيرة (العراقية+دولة القانون+التحالف الكردستاني+الائتلاف الوطني) في تشكيل الحكومة. أعتقد أن مثل هذه الحكومة غير ممكنة بسبب الخلافات في الرؤى، والنفور بين زعامات أكبر الكتلتين: العراقية ودولة القانون. لذلك لا أعتقد أن مثل هذه الحكومة ممكنة، وستكون هذه الحكومة بدون معارضة قوية فاعلة، وإذا تشكلت فبمقابل تنازلات كثيرة وكبيرة من قبل الجميع، وهكذا حكومة تكون غير متجانسة يمكن أن ينفرط العقد بينها وتسقط في أي وقت. وأخيراً، السيناريو الخامس: تشكيل الحكومة من ثلاث كتل من الكتل الفائزة الكبيرة بحيث يكون عدد مقاعدها أكثر من نصف المجموع، وذلك كما يلي: إما (العراقية+الإئتلاف الوطني + تحالف الكردستاني) بقيادة زعيم كتلة "العراقية"، وفي هذه الحالة يقود زعيم قائمة "دولة القانون" المعارضة. أو حكومة تتألف من (دولة القانون +التحالف كردستاني +الائتلاف الوطني) بقيادة زعيم كتلة "دولة القانون"، ويقود زعيم كتلة "العراقية" المعارضة. أعتقد أن السيناريو الخامس هو أفضل السيناريوهات، لأن الحكومة المنبثقة عن هكذا تحالف ثلاثي تكون أكثر تماسكاً وإنسجاماً نسبياً، تقابلها كتلة قوية تقود المعارضة. والنظام الديمقراطي لا يستقيم إلا بوجود معارضة ديمقراطية فاعلة تراقب نشاطات الحكومة وتحاسبها على أدائها وتكشف أخطائها. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |