CET 18:32:38 - 07/04/2010

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
متى احتفل يسوع بالفصح؟
لقد احتفل يسوع المسيح بالفصح، ليلة آلامه وموته، في العشاء السري الأخير، مساء خميس، وكان الرابع عشر من نيسان القمري.. فالقيامة وقتئذ ثالث يوم بعد الخميس، أي يوم الأحد 17 نيسان القمري، الموافق لـ 5 نيسان الشمسي.. فالذكرى التاريخية لقيامة الرب يسوع تكون في الأصح وبحصر المعنى في 5 من نيسان (إبريل) الشمسي.

ولمّا كان السيد المسيح قد احتفل بفصحه يوم وقوع فصح اليهود، على ما يرد في (مت 26/17-19، مر 14/8-16، لو 22/7-13)، وجب الاطّلاع على ماهية توقيت فصح اليهود، توصلاً إلى فهم الفصح المسيحي فيما بعد.

الفصح اليهودي
كان الفصح اليهودي يبدأ في 14 نيسان القمري، والذي كان يُدعى شهر أبيب وهو الشهر الأول من الربيع في الروزنامة القديمة (تث 16/1)، والذي سيُسمَّى نيسان في الروزنامة اللاحقة للجلاء وهي بابلية الأصل، وكان يقوم على تضحية الحمل حسب شريعة موسى، وذلك عند غروب الشمس.. وهو سابقٌ لإسرائيل، فهو عيد سنوي يحتفل به رعاة بدو في سبيل خير ماشيتهم.. فعند العرب القدماء، واليوم عند بعض البدو في فلسطين، لا نزال نجد أهم أحكام الفصح الإسرائيلي، كوضع الدم والأعشاب المرّة وشيّ الضحية.

لماذا 14 نيسان؟
لأنّ اختيار القمر بدرًا في 14 منه يبرره الاهتمام بتأمين الضوء للمسافرين ليلاً إلى حضور العيد، يوم كانت عملية الإضاءة معضلة صعبة.. كما أنّ هناك عنصرًا ثانيًا دخل على حساب الفصح: في 16 نيسان كانوا يقدّمون للرب بواكير الشعير سنبلاً، وهذا النضج كان يعين وقت الربيع.. هل اكتنز الشعير سنبلاً؟ إذن قد ابتدأ الربيع، وحان موعد الفصح.. وهكذا كان فصح اليهود يشرك في توقيته القمر والشمس: الشمس لتعيين بدء الربيع عند نضج الشعير، والقمر لتأمين الضوء ليلة البدر.

كيف عيَّد المسيحيون الفصح؟
بعض الكنائس المسيحية عيّدت الفصح في 17 نيسان اليهودي، أيًا كان ذلك اليوم، والبعض الآخر الأحد الأول بعد 17 نيسان اليهودي، لأنّ الرب قام يوم أحد.. وغيرهم حافظوا على عادة الاحتفال بالفصح مع اليهود في 14 نيسان، مراعاةً لشعور اليهود المتنصرين.. وأمّا العدد الأكبر من الكنائس، فكانوا يحتفلون بالفصح، في الأحد الذي يلي 14 نيسان.. وبعد ثلاثة قرون من الاضطراب والقلقلة أثبت مجمع نيقيا، عام 325، قانونًا لم نزل نسير عليه حتى الآن وهو: أن عيد الفصح يقع في الأحد الأول الذي يلي القمر الواقع في 21 آذار أو بعده مباشرة.. فهناك عنصران لتعيين الفصح: _ عنصر شمسي

وهو 21 آذار، أي يوم التعادل الربيعي.. وعنصر قمري وهو 14 من الشهر القمري، وقد اعتُمد العنصر الشمسي نظرًا إلى أنّ قمر نيسان، وبالتالي الرابع عشر منه، يتجول على مدار السنة الشمسية آخذًا بالرجوع إلى الوراء، لأن السنة الشمسية أطول من القمرية، لذلك يجب إثبات البدر في أول الربيع، وربطه علميًا وفلكيًا بالحساب الشمسي الثابت.. ولمّا كان تاريخ 21 آذار هو بدء الربيع الرسمي والعلمي والفلكي، وفيه الاعتدال الربيعي، لذلك وجب أن يكون البدر الذي يليه (14 نيسان القمري) دائمًا بدر الربيع، والأحد الذي يلي هذا البدر هو عيد الفصح عند جميع المسيحيين.

وممّا جاء في رسالة الامبراطور قسطنطين إلى الأساقفة المجتمعين في نيقيا ما يلي: "إنّه لا يناسب على الإطلاق، وخاصةً في هذا العيد الأقدس من كل الأعياد، أن نتبع تقليد أو حساب اليهود الذين عميت قلوبهم وعقولهم وغمسوا أيديهم بأعظم الجرائم فظاعةً… وهكذا إذ نتفق كلنا على اتخاذ هذا الأسلوب ننفصل أيها الأخوة الأحباء عن كل اشتراكٍ ممقوت مع اليهود، لأنّه عارٌ علينا حقًا أن نسمعهم يفتخرون أننا بدون إرشادهم لا نستطيع أن نحفظ هذا العيد…".. وحُفِظ لكنيسة الأسكندرية الحق في تعيين يوم الفصح، نظرًا لشهرتها البالغة في العلوم الفلكية، وقدرتها على الحساب الدقيق، فكان أسقف الأسكندرية يعين تاريخ عيد الفصح، مباشرةً بعد عيد الغطاس، ويُعلم بذلك أساقفة الكراسي الأخرى.

ونلاحظ أن حدثت مشكلة وهي أنّ التقويم الذي كان متّبعًا، أي التقويم اليولياني، لم يكن تقويمًا دقيقًا.. فتاريخ 21 آذار(مارس)، في مفهوم آباء مجمع نيقيا، كان يُظن أنّه وقتٌ محدد لبدء الربيع، أو التعادل الربيعي.. وسنرى كيف أنّ هذا التعادل وقع، عام 1852، في 11 آذار بدلاً من 21 منه.. ولو تُركت الأمور تجري كما هي كان الفصح أضحى عيدًا يقع في قلب الصيف أو الخريف أو الشتاء.. وتطبيق قرار مجمع نيقيا حرفيًا أدّى إلى نتائج مضادة لنوايا المجمع طيلة حقبة لا يُستهان بها من 325 إلى 1582، أي مدة 1257 عامًا.

الفرق بين الحساب اليولياني والغريغوري
n إنّ يوليوس قيصر (45 قبل الميلاد)، الذي دُعي التقويم باسمه، قد جعل مدّة دوران الشمس، في فلك البروج، 365 يومًا و6 ساعات.. بينما الواقع هو أنّ مدة دوران الشمس هي 365 يومًا وَ 5 ساعات وَ 48 دقيقة و51 ثانية.. فكان الحساب اليولياني زائدًا على الحقيقة 11 دقيقة وَ 9 ثوانٍ.

زيادة هذه الدقائق والثواني، وإن تكن يسيرة بالنظر إلى عامٍ واحد، إلاّ أنّه يحصل من مجموعها، في كل 134 عامًا، يوم كامل.. فينجم عن ذلك أمر خطير: الاعتدال الربيعي المفروض وقوعه في 21 آذار سيتأخر كل 134 عام يومًا واحدًا، حتّى يمر، مع كر الأجيال، على شهور السنة كلها، وبالتالي يأخذ عيد الفصح بالتنقل بين الفصول.

n ولمّا تبوأ البابا غريغوريوس الثالث عشر السدة البابوية، صرف قصارى جهده لتدبير الأمور وإصلاح كل خطأ شأن أسلافه من الأحبار.. وأول ما وطّن النفس عليه كان إصلاح هذا التقويم المهم، فاستنفر إليه عدد من العلماء والرياضيين المدققين، والأخصائيين في علم الفلك، فأنكبّوا على درس هذا الحساب ومراجعته بدقّة.. فوجدوا أنّه في عام 1582 وهي السنة التي جرى فيها هذا الإصلاح قد غدا الحساب اليولياني مبتلعًا عشرة أيام بزيادة تلك الـ11 دقيقة والـ9 ثوانٍ الآنفة الذكر.. ووجدوا أنّ الاعتدال الربيعي المترتب عليه تعيين عيد الفصح قد رجع من 21 آذار إلى 11 منه، كما أنّ التقويم الجديد زاد على التقويم القمري ثلاثة أيام، فكان الفرق بين حساب الشرقيين ثلاثة أيام، وصار اليوم أربعة أيام.

كيف يصير الفرق بين التقويمين بالنسبة لعيد الفصح؟
وبعد دخول في عمليات حسابية واحتساب الفروق بين التقويم اليولياني والغريغوري ومراعاة عدم الاحتفال في يوم الفصح اليهودي خاصة وأن الفرق بين التقويمين في العيد يكون إمّا أسبوعًا أو خمسة أسابيع.. فإذا وقع العيد في نفس الشهر القمري، فإما أن يكون الفصح سوية، وإما أن يتأخر الشرقيون أسبوعاً حتى يكمل بدرهم. وإذا وقع في الشهر الذي يلي قمر الربيع الحقيقي أو قمر نيسان، فيعيد الشرقيون في قمر أيار الفلكي وهو الثاني لا الأول من الربيع وحينئذ يكون الفرق خمسة أسابيع. وعلى ذلك نعطي الأمثلة التالية: إذا وقع البدر في 22 آذار، وكان يوم سبت مثلاً، فيكون عيد القيامة في الأحد الذي يليه مباشرةً، أي يوم 23 آذار، أمّا بحسب التقويم اليولياني، فيجب الانتظار 29 يومًا، أي حتّى ظهور البدر التالي، فيقع عيد الفصح بحسب هذا التقويم في 27 نيسان، أي يكون الفرق في العيد بين التقويمين خمسة أسابيع، كما هو هذا العام.. وإذا وقع البدر، الذي يلي الاعتدال الربيعي، في 8 نيسان مثلاً، وكان يوم أحد، فيكون الأحد التالي أي 15 نيسان هو يوم عيد القيامة، ولا يكون هناك فرق بين التقويمين، بل يكون العيد سويةً، وذلك كما حدث في عام 2001… ويحدث هذا العام 2010 وسيحدث في 2014, 2021 , 2025 ..... وهكذا دواليك.

ما هو الحل لهذه المشكلة؟
لقد عرض مجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط مداولةً في سنة 1997، للبحث في هذه القضية، فصدر عن هذه المداولة عدّة توصيات نذكر منها التوصية الأولى التي تقول: "في رأي هذه المداولة، فإنّ الطريقة الأكثر احتمالاً في النجاح في التوصل إلى تاريخ مشترك لعيد الفصح في يومنا هذا ستكون بـ: أ_ الحفاظ على معايير مجمع نيقيا (بأن عيد الفصح يجب أن يقع في الأحد التالي لأول اكتمال قمر بعد الاعتدال الربيعي)، ب_ القيام بحساب المعطيات الفلكية (الاعتدال الربيعي واكتمال القمر) بأكثر الوسائل العلمية المتاحة دقة. ج_ استعمال مكان موت المسيح وقيامته.

خاتمة
بعد هذا العرض الموجز لقضية عيد الفصح نقول: لقد قبلت الكنيسة في الغرب التقويم الغريغوري الجديد، في حين أنّ الكنيسة في الشرق استمرّت على اتّباع التقويم اليولياني القديم، والفرق بينهما اليوم هو 13 يوم، وسيبقى هكذا حتى سنة 2100، طبعًا هذا لا يعني أن التقويم الغريغوري صحيح مئة بالمئة.. وبذلك يكون أي إصلاح مرتقب لتقويم عيد الفصح يجب أن يرتكز على هذه المعطيات، ولا يجب أن يكون اعتباطيًا، كما يؤكّد على ذلك مجمع الكنائس العالمي في مداولةٍ قام بها حول تاريخ عيد الفصح (شامبيزي 1970) عبري بالقول: "على أي حال يتعين على الكنائس الوصول إلى حل لأسباب مبنية كليًا على المعنى الديني للعيد ومن أجل الوحدة المسيحية لا من أجل الهدف في إرضاء الاهتمامات العلمانية بحد ذاتها".. وإلاّ فإنّ الصعوبات المستقبلية ستصبح أكثر تعقيدًا ممّا هي عليه اليوم. 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق