بقلم : د/ سعاد سالم السبع
قبل البدء أقدر جهود نقابة أعضاء هيئة التدريس في جامعة صنعاء لحرصها على المطالبة بحقوق أعضاء هيئة التدريس بطرق ديمقراطية حضارية، كما إنني لا أعارض الاحتجاجات السلمية المتدرجة التي توجه أعضاء هيئة التدريس إلى تنفيذها، وأؤكد أن العمل النقابي سيظل سبيلنا الوحيد للمطالبة بالحقوق، فهذا حق سياسي في ظل الديمقراطية، لكني في هذا المقال أذكر نفسي و كل الزملاء -أعضاء هيئة التدريس-، وفي مقدمتهم أعضاء النقابة برسالة الأستاذ الجامعي ومكانته ودوره في مكافحة الفساد وإحداث التغيير نحو التنمية، وهذه الرسالة هي ما تنطوي تحتها مطالباتنا بالحقوق، يجب أن نكون نحن -أعضاء هيئة التدريس- جزءا من إصلاح التعليم ، ولا نكون سببا في تفاقم مشكلات التعليم الجامعي. فحينما نطالب بحقوقنا ولا نؤدي واجباتنا التي تترجم رسالتنا لا شك سنفقد مصداقيتنا، وتصبح أصواتنا جوفاء لا قيمة لها ولا أثر.
في جامعة صنعاء أساتذة يستحقون أن تكتب أسماؤهم بماء الذهب على صفحات التاريخ، وفي عقول الطلبة وقلوبهم، لكن للأسف فيها بعض أعضاء هيئة التدريس الذين ليست لهم علاقة لا بألقابهم ولا بقيم التعليم الجامعي ولا بأخلاق المهنة، وهذه حقيقة مؤلمة ومخزية و قاسية وثقيلة على الملتزمين، لكن لا بد أن نحذر من استمرارها، لأن استمرارها سيؤثر على شرعية مطالب الجميع، ولن يؤثر على السيئين فقط.
بسبب هؤلاء تتعرض سمعة الأستاذ الجامعي للتشويه داخل الجامعة وخارجها ، وبسببهم بدأت تهتز صورة الأستاذ الجامعي في أذهان الطلبة بالدرجة الأولى، وبدأ يفقد دوره الحقيقي في التنمية.
لقد استوقفني مجموعة من الطلبة من إحدى الكليات، ليسألني أحدهم: لماذا تعلقون الشارات الحمراء؟ فأخبرته أننا في حالة احتجاج سلمي نطالب بحقوقنا وبإصلاح التعليم الجامعي، فكان تعليقه صادما ومؤلما حين قال: "عضو هيئة التدريس هو السبب الأول في فساد التعليم الجامعي"، وحينما طلبت منه الإيضاح ، قال ببساطة : "أنا في المستوى الرابع في كلية ..... ولم تظهر نتائجي إلى الآن ، لا أدري هل أنا صفيت المواد الدراسية أم لا؟ وأقضي كثيرا من وقتي لمتابعة النتائج بدلا من التعليم، ولي زملاء لم يكتشفوا أنهم باقون في المستوى السابق إلا عند بدء الاختبارات النهائية "
للأسف يوجد في أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية كلها أشخاص وجودهم في سلك التدريس خطأ سياسي وتاريخي وعلمي، ومعروفون بأسمائهم وصفاتهم وممارساتهم، والطريف في الموضوع أن لهم ألقاب من صنع الطلبة، تلخص أفعالهم، وتجعلهم مواضع نوادر الطلبة في كل الأماكن والمواقف.
من هؤلاء الأعضاء أشخاص يُعد انتسابهم لأعضاء هيئة التدريس جريمة منظمة ‘ هدفها تدمير دور الجامعة ، وهم أولئك الذين يتلفظون أمام الطلبة بألفاظ نابية ، ويمارسون التدخين في القاعات الدراسية، ويؤدون المحاضرات وأفواههم متكورة بحزم القات في الفترة المسائية، وتجد الطلبة الجادين أمامهم في حيرة من أمرهم بين الاشمئزاز والاحتقار، أما الطلبة غير الجادين فيجدونها فرصة ثمينة لمجاراتهم في الألفاظ وفي الممارسات فأساتذتهم القدوة والحماية.
ومثلهم أولئك الذين يستعبدون الطلبة، ويشغلونهم معهم خدما داخل الجامعة وخارجها ، ليس من أجل هدف علمي يستفيد منه الطالب بل من أجل تنفيذ رغبات شخصية كالتسوق المنزلي وشراء القات وغيرها من الخدمات المنزلية، والشخصية ولا يستطيع الطالب الاعتراض لأن الدكتور كما يعبر بعضهم:( سيضعني في رأسه ويرسبني)
ومثلهم أولئك الذين يظنون أن الدال منحتهم حق الشخيط والنخيط على الطلبة، فلا يجيدون سوى (التهبيش والتهديد في القاعات الدراسية) وإثبات قدراتهم بإرسال سيل من التكاليف والواجبات الدراسية التي يفرضونها على الطلبة، ولا يكلفون أنفسهم حتى متابعة جزء منها، لأنهم حتى وإن تابعوها لا يستطيعون مناقشة الطلبة فيها ولا يفقهون فيها شيئا، لكنها وسيلتهم الناجحة للتخلص من الإعداد الجيد لمحاضراتهم، ولإخراس الطلبة أمامهم، ولا يملك الطلبة أمامهم إلا تنفيذ ما يطلبون بلا دافعية، وبلا حرص على التعلم، فقط لاتقاء شرهم.
ومثل هؤلاء أعضاء هيئة التدريس الذين يجعلون من القاعة الدراسية مسرحا استعراضيا لأمجادهم البطولية في كل المجالات، ولإظهار خفة دمائهم ؛ فتراهم يصولون ويجولون لإثارة إعجاب الطلبة بأساليب ليست لها علاقة بالمادة التي يدرسونها؛ مرة بالتعليقات اللاذعة ومرة بالسخرية من الطلبة، ومرة بالنكت السمجة ومرة باستعراض النرجسية ، وكل ذلك يتم من أجل تغطية عجزهم العلمي والتربوي كما يقول الطلبة، وهذه النتيجة توصل إليها الطلبة من أنفسهم دون توجيه من أحد.
ومن هؤلاء الأعضاء أولئك الذين يجعلون من القاعة الدراسية ميدانا للمقاتلات الحزبية ؛ فتراهم طوال المحاضرة يكرون ويفرون مع حزب معين وضد حزب معين، وكرهم وفرهم هدفه الاستقطاب الحزبي لاتجاه معين بغرس الكراهية في نفوس الطلبة للحزب الآخر، فتجد الطلبة أمامهم متبرمين غير موافقين على ممارساتهم لكنهم غير قادرين على الاعتراض لأن رقابهم كما يقولون في أيدي الدكاترة.
ولا ننسى أن في الجامعة أعضاء هيئة تدريس محسوبين على الجامعة في كشوف المرتبات فقط؛ فبعضهم لا يدرس سوى ثلاث ساعات أو أربع في الأسبوع، وليس هذا فحسب، بل يتمادى بعضهم في احتقار الجامعة فيختصر الساعات الأربع إلى ساعة أو ساعة ونصف عن طريق دمج الطلبة وحشرهم في قاعة واحدة لحضور المحاضرة الإبداعية التي ثمنها أكثر من خمسين ألف ريال من ميزانية الجامعة، ومن الذي يجرؤ على إيقافهم عند حدهم ؟! فلهم مكانتهم السياسية، والحزبية، و مشاريعهم الخاصة التي تكسبهم المناعة ضد كل القوانين.
ومثلهم أولئك الذين لا يذكرون الجامعة إلا عند استلام المرتبات، فتراهم يحشدون كل مهاراتهم وقدراتهم العقلية والجسمية والنفسية ليمتلكوا أساليب ساحرة ومؤثرة يستخدمونها في التواصل مع كل من له علاقة بإثبات أسمائهم في كشوف المستحقات المالية، ولديهم ألوان من فنون التأثير؛ تبدأ بفن( الفهلوة) على قول المصريين، وإذا فشل هذا الفن فعندهم عشرات من المبررات الاجتماعية والإنسانية والطبية الجاهزة لكل المناسبات ، تجعل أي مسئول مهما كان نظاميا يعطف عليهم، ويكتفي بتمتمة الدعاء: (اللهم عافني مما ابتليت به كثيرا من عبادك) ثم يطلب منهم عدم تكليف أنفسهم الحضور للجامعة آخر الشهر والاكتفاء بإرسال مندوبين لاستلام مرتباتهم حتى لا يتعرضوا لمزيد من المضاعفات .
هناك نماذج أخرى من أعضاء هيئة التدريس تسعى متعمدة إلى تدمير التعليم الجامعي، وبحكم القانون ستستفيد من كل الحقوق التي نطالب بها؛ ولايشرف نقابتنا أن ينتسب إليها مثل هؤلاء ، فكيف نطالب بحقوقنا بطريقة فعالة بعيدا عن دعم الفساد والمفسدين؟
هذا ما سوف يتم تناوله في مقال قادم.. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|