CET 00:00:00 - 12/04/2010

مساحة رأي

بقلم : عساسي عبد الحميد
تطربنا موسيقى كلماتك.... لكن تتلعثم مداركنا في ترديد سطورها... يبهرنا فجر قدومك الجميل... لكن نعجز على قطف أنواره... يروقنا سحر ليلك الهادئ.... لكن لا تذوب قلوبنا مع نور قمره البهي..... لأننا نتجاهل فيك الممسوح بزيت الرب، ونريدك مارداً، مارداً فقط يملئ سلالنا وأكياسنا بما يفيض عن حاجاتنا ويزيد، وجباراً ينتقم لشرفنا ويبيد خصومنا.... ويعيد لنا مُلكاً ضائعاً وحقاُ مُغتَصباً.... لا نريدك \"مسيا\" يضيء هيكل قلوبنا، ولا كاهناً عظيماً ينير مسالك حياتنا، ولا بركة في غرة أعيادنا وأعراسنا.... ولهذا يعوزنا عزاؤك ومجدك.... فلا مياه تروي غليلنا... ولا خبزاً يسكن جوعنا.... ولا بلسماً يشفي كلومنا.... ولا جليساً يبدد وحشتنا وكآبتنا....
نريد منك عجيبة كل يوم، لا لمجدك أنت يا سيد الكينونة، بل لذواتنا الواهنة.... نريدك مارداً.... مارداً فقط، نخرجه من القمقم متى شئنا في أوقات خصاصنا لنُملي عليه رغباتنا وحاجاتنا.... ولهذا لا تكتحل عيوننا بإطلالة صباحاتك المجيدة... وتعجز شفاهنا على ترديد أنشودتك الخالدة... على إيقاعاتك الرفيعة الفريدة.....فلا نشبع من عزائك الدافئ، ولا نتزود من بركاتك، ولا تلمس أيادينا كنوزك الجميلة التي لا تصدأ..... وما أن تمد يدك لنا في الغروب حتى ننساك عند الشروق، وفي هذا ضعفنا وكسلنا، ولن نطلبك ثانية إلا في أسقامنا وآلامنا.... بيد أنك تدعونا كل يوم على باب هيكلك لحضور قداديسك، والجلوس على موائدك، والارتواء من ينابيعك، ونحن نطلب منك ما يلبي جشعنا ويشبع غرورنا، ورغم ذلك تمسح على رؤوسنا برفق متناه.... وتلمس أيادينا الضعيفة بعطف الأمهات... ما أروعك....

على قمم عديدة رفعنا لك صليباً.... وشيدت سواعدنا دوراً لترديد كلماتك ووصاياك، وعلى جدرانها وتحت أسقفها أرخنا لذكراك العبقة... فرسمنا لك العشاء الأخير.... والجثسمانية.... طريق الآلام... والمجدلية.... تلة الجلجثة... ووجهك اللامع كقمر \"نيسان\" وأنت متوج في كامل بهائك ومجدك..... وقبل هذا، دخولك أورشليم كملك مظفر غانم، وهتاف الجموع لك \"هوشعنا\" .....\"هوشعنا\" .....لابن داوود.... ومهما فعلناه لتكريمك فإننا لا نرى شعلتك الوهاجة المضيئة ولا تطأ أقدامنا درج هيكلك العظيم.... ولا نتقن فن الصلاة كما أتقنتها أنت بشاعريتك العجيبة المذهلة....\"فرب صلاة هادئة نابعة من سكون الليل تبثها قلوب كسيرة وجيعة، خير من تراتيل مَن نصبوا أنفسهم حماة للشريعة... وبطونهم ملأى بخيرات المستضعفين وقوت الكادحين \".... فمن غيرك يا سيدي علمنا بأن الصلاة ليست سلاسل تكبلنا فتدمينا، وأثقالاً نحملها فتوجعنا، وكلمات نرتلها ونعيدها.... بل حنين دافئ وشوق جارف ومشاعر طليقة رقيقة، ترفرف في عوالمك الفاتنة... ثم تعود لذواتنا الأرضية لتزرع فيها بذور ملكوتك لتنبت على جوانبها حباً وعطاء وجمالاً.... ما أروعك....

ما أشبه الأمس باليوم.... فما زلت حتى الساعة تقصد البحيرات وضفاف الأنهار لتبحث عن صيادين جدد يحولون شباكهم نحو القلوب.... وتطوف بين الأزقة والدروب لعلك تجد عشاراً يحمل الكلمة.... وتبحث عن خاطئات لتصهرهن بنور قدسك ونار كلماتك ليحملن الكرازة والقداسة... وعن مرضى تزيل السقم العالق فيهم... وتبحث أيضاً بين عابري السبيل عن أسخريوطي يضع على خدك قبلة باردة...... وهناك بيننا مَن ينال شرف حمل ثقل الصليب عنك تماماً كما فعل سمعان القيراواني على طريق الآلام.... فنصلبك من جديد.... ويتمزق ستار هيكلنا... وتظلم سمائنا وتبرق وترعد... فتتمخض الأرض بموتاها..... ثم نتعمد بدمائك.... ونطلب غفرانك. فتظهر لنا في واضحة أحلامنا كائنا نورانياً كاملاً ممجداً.... فنسجد تحت قدميك ونقبل يدك المثقوبة نادمين جاهشين...... ما أروعك.... 

لقد كنت يا سيدي فارساً ليس كسائر الفرسان، ومحارباً لم تشهد ساحات الحروب مثيلاً له، فتكسرت حراب الأباطرة وسيوف القياصرة تحت قدميك... وسحقت بنعليك شياطين أفكارهم.. وأخرجت منهم الخبث العالق في قلوبهم، فانضم العديد منهم إلى معسكرك ليحملوا معك الكلمة إلى فارس والهند وروما والإسكندرية... وإلى كل أقاصي المعمورة.... فانتصرت عليهم بقوة الروح، لا ببطش الجبابرة القساة الذين يقيمون ممالكهم على أكوام من الجماجم وأنهاراً من الدماء.... فكانت مملكتك بحق سيدة الممالك... وكنت فيها الملك الخالد المتوج الذي لا نهاية لملكه، لأنك توجت كل واحد من أفراد شعبك بدل أن تسخرهم لخدمتك كما فعل حكام الأرض، وأجلستهم جميعاً في ديوانك العامر وأقمت لهم المآدب والمجالس، وكنت أنت فيهم الخادم الغاسل لهم الأرجل والأيدي، فسكبت لهم من معتق خمرتك... وناولتهم من خيرة طعامك... ثم اتكأت معهم لتحدثهم بأمثالك... ما أروعك..... *********** ما أروعك، يا رئيس السلام...... يا سيد المرنمين... يا قلباً يفيض حباً وعطاء..... يا سيد الشعراء..... يا يســــــــــــــــــــوعي...

assassi64@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق