CET 00:00:00 - 12/04/2010

مساحة رأي

بقلم: سامح سليمان
إن رغبات البشر وسلوكياتهم ومناهجهم في التقييم والتصنيف، حتى وإن غلفها البشر بغلاف التضحية والإيثار، كالصداقة والزواج والإنجاب ورعاية الأطفال، والشفقة والتعاطف، والتدين والتعبد، بل وحتى اعتناق أفكار منظومة فكرية وقيمة معينة، لا تتشكل إلا من منطلق ذاتي أناني، فالكائن البشرى أناني بالفطرة.. فكافة العلاقات تتأسس وتتكون على الخوف والاحتياج، فالخوف وقدرة تسديد الاحتياجات خاصةً الأقتصادية والجنسية هو الخالق لكثير من التصورات، والحاكم للعديد من العلاقات والممارسات والأفعال وردود الأفعال.

الخوف شعور ودافع غريزي قوي ومؤثر، وله دور كبير في خلق وصياغة قراراتنا وأفكارنا ومعتقداتنا، فالرفض أو التأييد والالتزام أمر لا يصعب الحصول عليه عن طريق التخويف والترهيب، فالرغبة في تحقيق الهدف والغاية، واجتناب العقاب، هو الموجه والقاعدة التي تبنى عليها توجهات البشر، خاصةً في المجتمعات القاهرة والمقهورة التى يتوارث أعضاؤها نفسية العبيد وعقليتهم المبرمجة على احترام وتقديس القوى، حتى وإن كان جائرًا وظالمًا، لكنه يمنحها الشعور بالأمان ويعفيها من مسئولية اتخاذ القرار. فالحاكم المستبد القادر على إخصاء وتدجين محكوميه هو الأكثر احتفاظًا بمنصبه، بخلاف أنه يلقى من الخضوع والاحترام أكثر مما يلقاه الحاكم العادل المتسامح، فالخوف أكثر فاعلية ودوامًا عن ما يُسمى بالحب، فالحب ليس إلا مصطلحًا هلاميًا وخدعة قد أبتكرها البشر لتبرير رغباتهم ولتجميل شكل علاقاتهم غير القائمة في حقيقتها إلا على الاستغلال وتسديد الاحتياجات سواءً البيولوجية أو الاقتصادية أو النفسية..

وكذلك أيضًا الاحتياج خاصةً بالنسبه للزواج والإنجاب، فالزواج ليس كما يتم الترويج له في الدراما السطحية الاستهلاكية المتواطئة المفسدة والمغيبة للعقول، والتي تسعى بجدية للإبقاء على غباء المجتمع و جهله وانحطاطه وهمجيته وتبرئته من كافة جرائمه.. ولكن الزواج هو شكل ونظام ابتكره المجتمع ووضعه لتقنين وتنظيم شكل من أشكال العلاقات، وأكسبه الشرعية والصواب والجودة والأفضلية، بالرغم من احتوائه بشكله الحالي على العديد من القيم القبلية الأبوية الذكورية الاستعلائية السلطوية العبودية..

إن الرجل يتزوج ليدعم شعوره برجولته ويحققها ويؤكدها ويثبتها أمام نفسه وأمام مجتمعه، وليحصل على الجنس بكثافة وسهولة وبصورة شرعية، وليمتلك ويستعبد شخصًا آخر أضعف منه "جسديًا واقتصاديًا واجتماعيًا" وهو زوجته بعد دفعه ثمنها لأبيها أو لأي ذكر من عائلتها وحصوله على عقد ملكيتها الجنسية والإنسانية، ثم أبنائه ليشعر بالقوة والأفضلية والفوقية والقدرة على العقاب والغفران والمنح والمنع.. إن السعي الدؤوب للرجل نحو الزواج وإنجاب الأطفال هو إحدى تجليات الرغبة في أقتناص الألوهية والخلود المتمثل في استمرارية الانتساب لاسمه، فالطفل تلقائيًا يُنسب إلى أبيه، والسلطة و السيادة والألوهية المتمثلة في القدرة على الصناعة لكائن آخر والإتيان به إلى الوجود، للاستمتاع بإمكانية السيطرة عليه وتشييئه وتشكيله والتحكم في مصيره ومشاعره وانفعالاته.

 فالكثير من أرباب الأسر يشعرون بمتعة في تأديب و تحقير أطفالهم وفي خوفهم وضعفهم واحتياجهم، وبلذة عند التسبب لهم في الألم والحزن ثم الفرح والبهجة، وأيضًا عندما يخشى الطفل أباه ويرتعب من عقابه ويرتجي عفوه وغفرانه، فيغفر له بعد بكاء واستعطاف وتوسل وتذلل ليحصد الطاعة والشكر والعرفان.. وتتجلى هذه الرغبة بوضوح في التعريف المقدس للزوج وهو رب الأسرة، وكذلك المرأة التي لا تعمل يطلق عليها ربة منزل، بينما يتم حرمان المرأة العاملة من هذا الشرف والتعظيم! والمرأة تتزوج لأن مجتمعاتنا قد روجت لفكرة شديدة الضرر وهى حتمية الزواج وقدريته، وخلقت ارتباطًا شرطيًا حتميًا بين ارتباطها برجل وحصول كيانها على القيمة، فالمرأة قيمتها مكتسبة وليست ذاتية، وتعلوا قيمتها بإنجابها، فهي مجرد رحم تختلف قيمته باختلاف درجه الخصوبة ونوع المنتج، فمن تنجب الذكور أفضل من التي تنجب الإناث.

ومن أجل أن تنطلي هذة الخدعة، تم ربط الزواج والإنجاب بالعديد من الطقوس المبهجة كإطلاق الزغاريد وتلقي التهاني، والكرنفال الهزلي المدعو "السبوع"، وتخصيص يوم كعيد للأم، والتأكيد المكثف على المكافأة التي ستحصل عليها كل أم بعد وفاتها، وتحقير من لم تتزوج ونعتها بالعانس، وتأويل المؤسسات الدينية للعديد من النصوص لخدمة هذة الفكرة الاستغلالية التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، والتي تتمركز أهدافها حول تشييئ المرأة واختزالها إلى كائن قد وُجد في الحياة لخدمة الرجل وإمتاعه، ووعاء لإفراغ شهوته، وتقزيمها وحرمانها من القوة الفكرية والنفسية والاقتصادية التي تمكنها من الاستقلال واقتناص المساواة وصنع القرار والندية مع الرجل، وامتلاك زمام حياتها، وحرمانه من مركزيته كسيد مطاع وآلة يملك إمكانية تقرير مصيرها.. وأيضًا لتسديد احتياجاتها الجنسية المكبوتة والمقموعة في إطار أعطاه المجتمع التفرد بالشرعية والقبول والصلاحية الدائمة، ليحميها من التشهير والقتل.. 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق