CET 00:00:00 - 14/04/2010

مساحة رأي

بقلم : د. عبدالخالق حسين
أصدر قائد التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، من مقر إقامته في مدينة قم الإيرانية، دعوة إلى أتباعه لاستفتائهم بشأن شخص رئيس الوزراء المقبل، وقد أجري هذا الاستفتاء من قبل أتباع التيار في المساجد والحسينيات بعد صلاة  يوم الجمعة المصادف 2/4/2010، ورشح هو أي "السيد القائد" خمسة أشخاص دون غيرهم، وأعلنت النتائج بعد أيام بفوز الدكتور إبراهيم الجعفري بالمتبة الأولى، وجاء الأستاذ نوري المالكي في المرتبة الرابعة، والدكتور أياد علاوي في المرتبة الأخيرة!!. والغريب في الأمر أن نال هذا الاستفتاء اهتمام الكثير من المعلقين السياسيين، فمنهم من أيده، ومنهم من عارضه واعتبره مخالفاً للدستور إلى حد أنهم لاموا رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء على عدم تدخلهما لمنعه. وقد أبديت رأيي في هذا الأمر في مقابلة تلفزيونية مع قناة الفيحاء، ومن المفيد أن أعيده هنا في مقال قصير لأن الجدل حوله مازال مستمراً، خاصة بعد إعلان نتائج ذلك الاستفتاء العتيد!.

والجدير بالذكر أن التيار الصدري يمثل شريحة مسحوقة من أبناء الشعب، يتمتع بشعبية واسعة في أوساط الفقراء المعدمين من الشيعة. ولكن المشكلة أن هذا التيار يواجه مشكلتين، الأولى أنه صار ملاذاً آمناً للبعثيين الشيعة في المحافظات والمناطق التي يشكل الشيعة غالبية سكانها، وخاصة مدينة الثورة التي بناها الزعيم عبدالكريم قاسم للفقراء الذين فروا من ظلم شيوخ الإقطاع من المحافظات الجنوبية حيث اتخذوا من منطقة خلف السدة، الوقعة شرقي مدينة بغداد، سكناً لهم بأعداد هائلة، وفي أكواخ بائسة تفتقر إلى أبسط الشروط الصحية. ولم يسمِها الزعيم باسمه، بل أسماها (مدينة الثورة)، فسطا عليها صدام حسين فيما بعد، وأطلق عليها اسمه فسميت بـ(مدينة صدام)، ثم جاء التيار الصدري بعد التحرير فسموها (مدينة الصدر)، وكان الأجدر والأحق أن تسمى بمدينة عبدالكريم قاسم، المعروف بأنه نصير الفقراء.

والمشكلة الثانية التي يعاني منها التيار هي وقعه في براثن النظام الإيراني الذي تكفل تمويله لتنظيمه وتشكيل مليشياته (جيش المهدي)، إذ جاء في تقرير نشرته صحيفة الـ"واشنطن بوست"، أن إيران تدفع شهرياً 9 مليون دولار للتيار الصدري. لذلك فلا عجب أن يكون لإيران هذا النفوذ القوي على التيار ونشاطاته السياسية، وعداء إيران والتيار للسيد نوري المالكي لأنه رفض الانضمام إلى الإئتلاف الوطني الذي يضم التيار الصدري، قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة. والجدير بالذكر أن السيد مقتدى مقيم الآن في مدينة قم، لدراسة العلوم الدينية، وربما سيأتي لنا بعد عام وهو يحمل لقب "آية الله"، وفي هذه الحالة لا بد وأن يكون تابعاً للولي الفقيه الإيراني، وتكون أوامره بمثابة فتاوى ملزمة لمقلديه وأنصاره، وعندها ما لنا إلا أن نقول: الله في عون هذا الشعب.

على أية حال، إن ظاهرة التيار الصدري تستحق الدراسة من قبل علماء الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، ولكن يكفي في هذه العجالة أن نقول منذ سقوط حكم البعث في 9 نيسان 2003، لعبت مليشيات جيش المهدي (التيار الصدري) دوراً كبيراً في عمليات الإرهاب وعاثت بأمن الناس، وأظهرت شعبنا بمظهر الناكر للجميل للقوات الدولية التي حررته من أبشع نظام فاشي عرفه التاريخ، وكان من أول ضحايا مقتدى الصدر هو الشهيد عبدالمجيد الخوئي، الذي قتل بمنتهى الوحشية في ضريح الإمام علي في النجف الأشرف، في اليوم الثاني من تحرير العراق. إن حجة هذا التيار في محاربة القوات الأمريكية هي نفس الحجة التي يرددها البعثيون وأنصارهم، والنظام الإيراني، أي مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق!!. لذلك نلاحظ في ذكرى تحرير العراق يوم 9 نيسان الأغر من كل عام، تقوم مليشيات التيار الصدري بتنظيم مسيرات تندد بـ"الاحتلال"، والحقيقة أنها تندد بإسقاط نظام البعث الصدامي. 

وبالعودة إلى "الاستفتاء الصدري" لاختيار رئيس الوزراء القادم، أقول، في النظام الديمقراطي يحق لأية جهة، حكومية أو غير حكومية، بإجراء استفتاء عينة من الناس حول مسألة ما. ففي الغرب توجد شركات مختصة مثل مؤسسة Gallup تقوم باستطلاع الرأي العام، وبالأخص في فترات الانتخابات. ولكن هذا الاستطلاع خاضع لشروط علمية معينة يجب التمسك بها وإلا يفقد مصداقيته، ومن هذه الشروط أن تأخذ عينة من المجتمع بشكل عشوائي لا على التعيين، وبمنتهى الحيادية، وأن لا يكون القائمون بالاستطلاع طرفاً في الصراع أو لهم مصلحة. لذا ففي العراق الديمقراطي لا يستطيع رئيس الجمهورية، أو رئيس الوزراء منع أية جهة من ممارسة هذا الحق، كما طالب البعض. ولكن المهم أن استفتاء التيار الصدري يفتقر إلى الشروط العلمية، لأنه استفتاء فئوي لجهة معينة منحازة لاتجاه سياسي معين وهو التيار الصدري الموالي لإيران، والذي هو طرف في الصراع، و"السيد القائد" هو الذي وضع أسماء الشخصيات التي يستفتى عليها وليست الكيانات والشخصيات السياسية المرشحة، كما وهناك عداء مستفحل بين السيد مقتدى والسيد نوري المالكي، لذلك فهذا الاستفتاء رغم جواز إجرائه، إلا إنه غير علمي، ولا يوثق به، وغير ملزم لأية جهة، وليست له أية مصداقية ولا قيمة علمية أو سياسية أو قانونية أو دستورية. إضافة إلى إن هذا الاستفتاء الفئوي الذي شارك فيه نحو 1,4 مليون شخص حسب ما صرحت به مصادر التيار، هو تجاوز على، واستهانة بالانتخابات التشريعية التي شارك فيها أكثر من 12 مليون من الشعب.
 
كذلك لا يمكن الركون إلى تأييد التيار الصدري لأية شخصية في تشكيل الحكومة. ففي عام 2005 صوَّتَ نواب هذا التيار لصالح الدكتور إبراهيم الجعفري، ثم تخلوا عنه وأسقطوه وصوتوا لصالح السيد نوري المالكي الذي نجح في تشكيل الحكومة، ثم اختلفوا مع السيد المالكي شخصياً لأنه شن حرباً على مليشيات جيش المهدي التي عاثت في أمن البلاد والعباد، والآن عاد التيار فرشح الجعفري مرة أخرى لتشكيل الحكومة، وهكذا فمن تاريخه يجب على من ينجح في تشكيل الحكومة عدم الاعتماد على هذا تأييد هذا التيار لأنه متقلب الأطوار، لأنه يتلقى أوامره من ولي الفقيه الإيراني.
 
ما العمل؟
في الحقيقة إن الحل في تكليف الشخصية المحددة لتشكيل الحكومة موجود في الدستور ولا أرى أي مبرر لكل هذا الصخب والتعطيل والصراع بين الكتل، وهو كالآتي: بعد إقرار المحكمة الاتحادية بشرعية نتائج الانتخابات، يدعو رئيس الجمهورية الحالي البرلمان للاجتماع، فينتخب النواب رئيس البرلمان الجديد ونائبيه، ثم ينتخب البرلمان رئيس الجمهورية الجديد (وقد يجدد ولاية الرئيس الحالي في أغلب الاحتمال)، والرئيس الجديد يكلف بدوره رئيس الكتلة التي حصلت على أكثر عدد من المقاعد في البرلمان، وفي هذه الحالة يعني سيكلِّف رئيس كتلة "العراقية" الدكتور أياد علاوي، بتشكيل الحكومة، والمفترض به (علاي) أن يكون قد نجح مسبقاً في إقامة التحالفات مع الكتل الأخرى التي توافق على العمل معه في الحكومة الجديدة بحيث يكون عدد المقاعد 163 أو أكثر، وإذا فشل الدكتور علاوي، فسيكلف الرئيس الجديد زعيم الكتلة الثانية "دولة القانون" أي السيد نوري المالكي والذي هو الآخر المفروض به أن يكون قد نجح مسبقاً في تكوين التحالفات مع الكتل الأخرى.

وهكذا فهناك آلية دستورية واضحة لتشكيل الحكومة، ودون الحاجة إلى استفتاء فئوي مشكوك في نتائجه، أو قيام السياسيين العراقيين بالزيارات المكوكية إلى عواصم دول الجوار. فالحل موجود في الدستور وفي بغداد، ويجب على السياسيين العراقيين احترام ناخبيهم، والإستقواء بشعبهم وليس بالحكومات الأجنبية. 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق