بقلم: شاكر فريد حسن
تعتبر ظاهرة الإسلام السياسي من الظواهر التي ألقت وتلقي بظلالها على الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية في الوطن العربي. ولا شك أن الصراع والجدل مع طروحات وأفكار التيارات والجماعات الإسلامية هو صراع وجدل فكري وسياسي تحكمه قوانين الصراع والأضداد في كل زمان ومكان. وهنالك فرق بين الإسلام كدين وبين الأيدولوجيا الإسلامية، فالدين قيم ورحابة صدر وانفتاح ورحمة وإنسانية وعدالة ومساواة وسماحة وقبول بالجدل والاجتهاد والرأي المضاد ويدعو لذلك.
أما الأيدولوجيا فهي تكفير وعنف ودكتاتورية وتحزب وتعصب وتحجر وإرهاب ورفض لوجهة النظر الأخرى، ويستطيع الإنسان أن يكون متدينًا وعلمانيًا في آن واحد، لأن العلمانية هي بالأساس موقف من الحياة وليس من الدين. ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أمر أساسي وهو بأنه من حق كل إنسان ممارسة الشعائر الدينية وتبني العقائد التي تتماشى مع قناعاته وموروثاته ولكن ليس من حقه أن يفرض هذه القناعات على الآخرين بقوة السلاح، وبالحديد والنار والعنف والإرهاب.
إن أعمال القتل وممارسات القمع والإرهاب الفكري التي تقوم بها الحركات والمنظمات والجماعات الدينية السياسية والأصولية تسيء وتشوّه الصورة الحقيقية والمشرقة للإسلام المتنور، الإسلام الذي يحض على الثورة الاجتماعية ومقاومة الفقر والجهل والتخلف والفساد والقهر والظلم والاضطهاد، وأننا لا ننسى صرخة الفاروق عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا" أو صيحة أبي ذر الغفاري "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج إلى الناس شاهرًا سيفه".
إن تاريخنا الإسلامي وحضارتنا العربية الإسلامية لا علاقة لهما بالطروحات والصياغات السلفية الأصولية، وهما يحفلان بالانجازات في مجال الفكر والثقافة والتنوير الديني، وهناك حركات دينية ثورية وعقلانية وإصلاحية ساهمت في تقديم نموذج أصيل لجوهر الإسلام وتمردت وثارت على القهر الإنساني والاستبداد السياسي كالقرامطة والزنج والمعتزلة والشيعة والظاهرية وغيرها من الحركات.
ومن الضروري الإشارة إلى إسهامات رجالات عصر النهضة في إعلاء راية الإسلام وتطوير الرؤية العقلانية البعيدة عن التزمت والتعصب، ودورهم في إصلاح الأمة بالتحليل العلمي، والتحليل العقلي والاستقراء والاستنباط.
وأخيرًا فإن الإصلاح الحقيقي والانبعاث الفعال لروح الإسلام سيبدأ بالفصل بين الدين والسياسة والتخلص من ذهنية التحريم والتكفير، والتحرر من قيود السلفية والتمسك بالموقف العقلاني وتجديد الفكر الديني بحيث ينسجم مع الحداثة ويتساوق مع العلمانية وينسجم مع الديمقراطية ويتماشى مع العلم الحديث والتكنولوجيا المتطورة. |