بقلم : ايهاب شاكر
كان هناك ملكٌ عظيمٌ جداً، وكانت للمملكة قوانينٌ لها احترامها وقوتها، وسيادتها على الجميع، ولم يكن يجرؤ أحد على مخالفة تلك القوانين مهما كان منصبه أو سلطانه، لأن قوتها واحترامها كانا من قوة الملك واحترامه، وسلطانها من سلطانه.
كان الملك العظيم يسكن في قصر ليس له مثيل، وله من الخدم والحشم ما لا يمكن حصرهم، وكانوا جميعاً طوع أمره، يتمنون له الرضا ليرضى. كان القصر الملكي، في مكان يبعد عن أرض الرعية بمسافة طويلة، كان في أعلى قمة تلك الأرض، ولم يكن مسموحاً لأحد الدنو من الملك مهما كان، وكان الخدم يغطون وجوههم وأجسامهم بالكامل حين يقتربون من الملك في المكان المسموح لهم به لتلبية أوامره، ولسماع تعليماته.
لم يكن للملك زوجة، وبالطبع لم يكن له أي أولاد، وكان مكتفياً بذلك، ولا يشعر بالاحتياج إلى ذلك.
كانت حركة القصر تسير في انتظام عجيب، دون أي نوع من الفوضى المعروفة لدينا هذه الأيام، ودون أي فساد من أي نوع. كان الكل يحترم الملك وقوانين المملكة، ويبجلونه تبجيلاً شديدًا، ولا تراودهم أية أفكار عن التمرد ولا يعرفونها من الأصل.
المملكة تسير على أحسن ما يكون، وكل واحد يعرف دوره بالتحديد، ولا يحيد عنه قيد أنملة، وهناك أقسام للرؤساء والوزراء والخدام على كل طوائفهم، فهناك الوزراء الذين ينفذون سياسة الملك في المملكة، ولم يكن له مستشارون، لأنه كان حكيمًا جدًا، وقراراته من المفترض أنها دومًا صحيحة، وكان هناك أيضًا، الجوقة التي تقف أمامه لمدحه والتمجيد له ولصفاته، وكان هناك المراسلون، الذين يأتون بطلبات الرعية، ويضعونها أمام جلالته لينظر فيها ويرى أيها يُجاب، وأيها يُرفض، وأيها يؤجل، وكان يرسل الرد عليها جميعًا في الأوقات المناسبة التي يراها الملك.
كان هناك قانون يسمى" القانون الأعلى" وهو " عند ذكر اسم الملك، بالقول أو الكتابة، وعند الاقتراب من محضره لابد من الانحناء والسجود بشكل معين وتقديم التكريم والتمجيد اللائق به، ومن يخالف ذلك يموت في الحال"
وبالطبع لا يُسمح لأحد على الإطلاق بأن ينظر في وجه الملك، ومن ينظر له، يتم حرقه في الحال.
كان على رأس كل الوزراء والخدام شخص يلقب بـ" الرجل السفير" وكان هو المسئول التنفيذي عن كل أوامر الملك، ومتابعتها، والوحيد المسموح له بالدخول إلى مكان أقرب قليلاً من الكل، لذلك كان ملبسه مختلفاً عن كل من في القصر، وكان من شدة وجوده في حضرة الملك، أنه كان يشع بهاءً عند الخروج من محضره يراه كل من يقترب منه.
في يوم من الأيام، أصدر الملك قرارًا حير كل من في المملكة، واستغربوا له جداً، لكن لم يكن في استطاعة أحد أو في مقدوره أن يراجع الملك، في قرار له، وإلا كان الحكم بالموت نصيبه.
كان القرار هو أن الملك قرر أنه سيتبنى شابًا من رعيته، ويعامله كابن له، ويكون له حق الدخول على الملك، ويلبس الحلة الملكية، ويوليه على كل مملكته، فيكون له حق الإدارة المطلقة في المملكة.
آثار هذا القرار الجدل في كل المملكة ما بين موافق ومرحب وما بين رافض ولكل رأيه وسببه في القبول أو الرفض، لكن لم يكن يجرؤ أحد على إعلان معارضته علنياً وإلا كان الموت المحقق له.
بدأت مراحل الاختبارات التي سيتم الاختيار من خلالها، وبعد فترة ليست بوجيزة، وقع اختيار الملك على شاب اسمه " آنوش".
الغريب أن اختيار الملك وقع عليه لأسباب غريبة ظن الجميع رغبة الملك في عكسها، فقد اختاره لضعفه الشديد، ولفقره المدقع، ولاحتياجه لمن يرعاه ويرفعه مما هو فيه.
بعد أن تم اختيار " آنوش" لهذه المكانة الرفيعة صنع الملك حفلا عظيماً بهذه المناسبة ليعلن فيها اختياره " لآنوش" أن يكون هو الممثل له على كل مملكته.
دعا الملك كل مملكته، وكل وزرائه وخدمه وحشمه لهذا الاحتفال.
ثم حدثت المفاجأة، حدث ما لم يكن متوقع أبداً، فقد طلب الملك من كل المملكة ومن وزرائه وخدمه ، أن يقدموا " لآنوش" نفس نوع الانحناء والتبجيل الذي يُقدم للملك نفسه، ومع استغراب الجميع من هذا الأمر، إلا أن الجميع نفذ أوامر الملك، إلا " الرجل السفير" فطلب الملك منه أن ينفذ الأمر، فقال للملك، كيف أفعل ذلك، وقانون المملكة يمنع ذلك، ويحكم بالموت على من يفعل ذلك، ، وكيف يا جلالة الملك تصدر أمراً يناقض أمراً آخر لجلالتكم؟!
غضب الملك على " الرجل السفير" لرده عليه ولرفضه تنفيذ أمره، وقرر طرده خارج القصر، وأن على كل من يقابله أ ن يلعنه، ووضع على جبينه سمة " ملعون"
ومن ناحيته قرر " الرجل السفير" الذي تحول اسمه بعد ذلك لـ " الملعون" قرر أن يعادي الملك، ويعمل كل جهده في أن يجعل كل المملكة تتمرد على الملك.
وهكذا تغير الحال في المملكة، وأصبح هناك صراعًا مستمراً بين خدام الملك وبين أعوان "الرجل الملعون"
لكن يا تُرى من المخطئ في هذه القصة، هل الملك أم " الرجل السفير"؟!
انتظر تعليقاتكم. |