بقلم: صبري فوزي جوهرة
تكاثر حديث الأقباط وتعددت كتاباتهم مؤخرًا, خاصة في الشتات عن ضرورة البدء في تنسيق عمل جماعي قبطي أعطيت له أسماء مختلفة مثل الكونجرس أو البرلمان.
ليس من بين الأقباط المهمومين بأحوال ذويهم في مصر الكثيرون ممن لا يتمنون قيام ونجاح مثل هذا المشروع وإن تفاوت مقدار حماستهم وجهودهم في هذا السبيل.
المعوقات والعقبات كثيرة وكبيرة والهمم متخاذلة واهنة.. وتجىء أكبر وأكثر الحوائل من داخل الأفراد والجماعات القبطية في الشتات, ولعل ذلك لا يرجع فقط إلى ما نعرفه جميعًا عن أنفسنا من الإصرار على الانقسام والتشرذم سواءًا أكان ذلك حبًا في رئاسة شيء لا وجود له أصلاً, أو لانعدام الخبرة بالعمل الديموقراطي الناجح.
ليس الهدف من إقامة اتحاد قبطي عالمي هو التظاهر ضد مذبحة الكموني والغول أو عنصرية فتحي سرور أو فضح أكاذيب مفيد شهاب أو من يدفعون أجورهم, بل يتعداه إلى ما هو أبقى من هؤلاء الأصاغر الزائلين ومضايقاتهم الوضيعة التى لا تتعدى عقرة مسعورة لا تعلو عن كعب المارد القبطي المتمرس والمعتاد على مضايقات السفهاء والفاشلين والمغرورين وما اكثرهم!..
فقد جاؤا وذهبوا عبر العصور وبقى الأقباط على إيمانهم, واثقين بأصولهم, ومحافظين على تراث مصر بلادهم. ومع تشاؤمي الواضح بإمكان تنسيق عمل قبطي جماعي حاليًا, إلا أنني أرى أن تناسي الأمر تمامًا هو أيضًا خطأ جسيم.. فالفشل في تحقيق هدف ذي قيمة لا يعني التخلي عنه نهائيًا خاصة وإن كان بمثل ثقل هذا الأمر وخطورته.. فأقل ما يمكن أن نفعل الآن إن لم نستطع القيام بمسؤلياتنا كاملة نحو أنفسنا ونحو ذوينا في مصر, هو الإبقاء على الحلم في أذهاننا حتى يأتى اليوم الذي يتمكن فيه من هم أفضل منا وأكثر قدرة على الإنجاز على إتمام العمل كما أردناه..
لقد أصبحت الحاجة إلى تجمع قبطي عالمي تتعدى أيضًا تحديات الوضع المؤسف لاقباط مصر, فسيأتي يوم قريب تعود فيه الجرذان إلى الجحور وتنقرض فيه ديناصورات الجهل والتخلف وهواة العودة إلى ركوب الجمال والاستشفاء ببولها، بينما سيبقى الأقباط وقد طرأ عليهم وضع جديد هو لجؤهم للشتات في كافة بقاع العالم.. وهنا يكمن الخطر حيث يتحتم إقامة مشروع جماعي دولي يعزز ارتباط أجيال الشتات القادمة بأرض الأجداد ويمنع ذوبانها التام داخل مجتمعاتها الجديدة وهي أمريكا، ويكون مؤكدًا إن لم نعِ به ونتحسب وقوعه ونعمل على الإقلال من وقعه.. ولنا في إخوتنا الأرمن مثال فيما أصابهم وما يجب علينا أن نقتدي بهم في هذا المجال.. فقد تمكنوا من الحفاظ على تماسكهم في الشتات بالرغم من صعوبة ظروف وزمن واستجابة المجتمع الدولي لمأساتهم في مطلع القرن الماضي وعدم استجابة المجتمع الدولي عندئذ للمذابح التي تعرضوا إليها.. ولكنهم بحفاظهم على قدرتهم على التحرك الفعال أعادوا بعض الحق إلى نصابه حتى بعد مرور قرن من الزمان، وأقول هذا مع علمي التام بوجود خلافات بين جماعاتهم المختلفة, ولكنهم حافظوا على قدر من التماسك والقدرة على العمل الجماعي الفعال.
يجب أن تكون طموحاتنا المبدئية متناسبة مع معطيات أحوالنا.. فالحلم ببرلمان يضارع في هيبته "كابيتول واشنطن" وفى رسوخه تقاليد "وستمنستر" وفي أعضائه خبرات وحنكة نوابها، هو سذاجة متناهية على الأقل في هذه المرحلة.. علينا اتباع المثل الفرنسي القائل بأن العصفور يبني عشه بخطوات قليلة(Petit a petit l'oiseau fait son nid ) . لذلك أقترح البدء بتجمع عدد محدود من الأقباط المخلصين للقضية الذين لم يصبهم التلوث بأعمال الهدم والعمالة والأفكار المتطرفة لتكوين لجان قليلة تعمل للأغراض الآتية:
1. لا رئيس بل إدارة جماعية تتجدد دوريًا بالانتخاب, وتلتزم بأسلوب ديموقراطي واضح وسليم.
2. جمع الأموال لإنشاء مقر متواضع وتبني قضايا الأقباط بتوكيل محامين أكفاء محترفين لتولي الدفاع عن حقوق الأقباط التي أحبطتها العدالة المصرية العنصرية الزائفة التي تتبع الهوى وليس القانون.. كذلك توكيل حرفيين لإبلاغ قضايا القبط ومعاتانهم للهيئات التشريعية في البلاد التي تستطيع التأثير على مجرى الأمور في مصر ما دامت الأحوال بها بمثل هذه الفوضي.
3.الإشراف المالي المحايد على نشاط الهيئة.
4.لتعريف بأهداف الهيئة واستقطاب أعضاء جدد خاصة من الشباب والسيدات.
5.توثيق الاتصال بالإعلام المرئي والمكتوب والمذاع.
6.تنسيق الاحتجاجات والتظاهر بمثل فاعلية ما تلى مذبحة نجع حمادي عند اللزوم.
7.تنسيق وتوثيق الاتصال بالهيئات العالمية غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان.
8.إقامة علاقات ثابتة ومستديمة مع الهيئات السياسية المتعاطفة مع القضية القبطية داخل مصر وبالأخص خارجها.
9.العمل على توعية أقباط الداخل بثقل وزنهم السياسي إذا تكتلوا وتخلوا عن السلبية واليأس.
فعلى سبيل المثال, يزور دكتور محمد البرادعى الولايات المتحدة الآن, ويُقال إن زيارته ستمتد إلى شهر كامل. ماذا لو كان للأقباط كيان سياسي موحد يرحب بالرجل ويتعرف على برنامجه ويضع أمامه تطلعاتهم ومشاكلهم وحلولها, ويقدم له إمكانياتهم في الخارج والداخل فيدفع بذلك بجهوده إلى الأمام؟ ربما لن يتمكن دكتور البرادعى من الترشيح للرئاسة هذه المرة وإذا فعل فإن احتمال فوزه بالمنصب غير واعد, ولكننا إن فعلنا ذلك لكنا قد تحملنا مسؤلياتنا نحو مصر والأقباط والرجل وتكون هذه علامة من علامات الإخلاص للوطن والقضية, تمهد الطريق إلى الانغماس التام في شؤن مصر والعودة إلى زمن كان لنا فيه بعض القول لما يجري في بلادنا. |