في خطوة وصفها مراقبون بأنها تراجعا أميركيا عن تعزيز الديمقراطية في مصر، وترسيخا لقدم النظام القائم ضد دعاه الإصلاح والتغيير، قرر الرئيس الأميركي باراك اوباما خفض الأموال المخصصة لبرامج الديمقراطية والحاكمية في مصر، وحظر تقديم أموال إلى الجمعيات الأهلية عير المسجلة، مثيرا حالة من القلق بين دعاة التغيير والإصلاح والديمقراطية والجمعيات الأهلية المستقلة حول نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
قال مراقبون لـ "إيلاف" إن القرار الأميركي بحظر التمويل عن الجمعيات الأهلية، إضافة إلى مشروع القانون الجديد الذي تجهز الحكومة لتمريره في البرلمان حول الجمعيات الأهلية "يمثل ضربة قوية للتغيير ومن شأنه أن يقوض إمكانية مراقبة المجتمع المدني للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، في ظل عدم وجود إشراف قضائي ورفض الحكومة للرقابة الدولية، الأمر الذي سينعكس على نزاهة الانتخابات.
وقد انتهت وزارة التضامن من مشروع قانون، اعتبره حقوقيون أكثر تقييدا وتشددا من القانون القائم، حيث ينص على تقليل ميادين عمل الجمعيات الأهلية وعدم الموافقة على اى جمعيات دون الحصول على موافقات الأجهزة الأمنية، كما تستهدف بعض مواد القانون الجديد الحد من نشاط بعض منظمات حقوق الإنسان، وإغلاق بعضها الآخر، وتجريم كل أشكال التنظيم غير المسجلة، ما يهدد جمعيات التغيير والإصلاح السياسي غير المسجلة مثل الجمعية الوطنية للتغيير التي أسسها الدكتور محمد البرادعي، والحركة المصرية من أجل التغيير كفاية وغيرها، ويعرض قادتها لعقوبات رادعة.
ويأتي القرار الأميركي في وقت تشهد فيه البلاد حالة غير مسبوقة من الحراك السياسي وخطوات تراجعية للحكومة عن الإصلاح، حيث تحتدم نقاشات حول مستقبل الحكم في البلاد، وخاصة بعد العملية الجراحية التي أجراها الرئيس مبارك في ألمانيا، وعودة المرشح المحتمل للرئاسة الدكتور محمد البرادعى المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية.
واستغرب المراقبون القرار الأميركي بالرغم من أن تقرير الوكالة لأميركية الدولية للتنمية أكد أن النجاح الوحيد الذي حققه مكتب الديمقراطية والحوكمة كان فى برنامج المساعدات المباشرة التي قدمت إلى الجمعيات الأهلية بعيدا عن الحكومة المصرية، حيث أكد في تقريره عدم تعاون وزارة الإعلام مع البرنامج واتهم المركزية عائقا أم نجاح البرنامج وانتهى إلى انه" كلما كانت الحكومة اقل تدخلا في برامج الديمقراطية كلما كانت نجاحها اكبر".
وبالرغم أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أكدت أن الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وتنمية المجتمع المدني، مبرره الخفوضات بأنها تتماشى مع سياسة واشنطن بتخفيض المساعدات غير العسكرية التي تقدمها لمصر بصفة عامة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن المراقبين يعتقدون أن هذا القرار يمثل تراجعا من جانب الإدارة الأميركية الجديدة عن دعم أجندة الإصلاح والتغيير والديمقراطية لعدم إغضاب الحكومة المصرية، على النقيض من سياسة ادارة بوش السابقة.
واعتبر مدير احد الجمعيات الأهلية التي تلقت دعما سابقا من مكتب المعونة الأميركية لمراقبة الانتخابات البرلمانية في عام 2005، أن القرار يحمل رسالة ضمنية بان إدارة اوباما تدعم النظام القائم ولا تريد تغييره، مشيرا لإيلاف انه " لا يتوقع أن يكون هناك تغيير في الفترة المقبلة".
وتوجد مصر على رأس قائمة متلقيي المعونة الخارجية للولايات المتحدة منذ أن أصبحت أول دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل في عام 1979. وكانت المساعدات المقدمة لمصر تصل إلى 2 مليار دولار سنويا في الماضي، بما في ذلك 1.3 مليار دولار معونات عسكرية. لكن إدارة الرئيس جورج بوش في واشنطن خفضت جزء من حزمة المعونات غير العسكرية. وكرست نحو 45 مليون دولار من هذا المبلغ لبرامج "الديمقراطية والحوكمة"، تذهب إلى المنظمات غير حكومية او المجتمع المدني، تلك المنظمات التي تنفذ برامج مستقلة لتعزيز حقوق الإنسان وتعزيز الإصلاح.
لكن بعدما تولى الرئيس اوباما منصبه خفض المبلغ المخصص لدعم الديمقراطية إلى 20 مليون دولار، وخفض التمويل المخصص للمجتمع المدني من ضمن هذا المبلغ من 32 مليون دولار فقط 7 ملايين دولار، واعتمدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية على حصر التمويل فقط على تلك المنظمات المسجلة رسميا التي توافق عليها الحكومة المصرية. ووفقا لوكالة اسوشيتد برس انخفضت الأموال المخصصة لدعم الديمقراطية فى مصر من 10 مليون دولار عام 2008 إلى 2.6 مليون فى العام الحالي.
وتشير تقارير إلى أن إدارة إدارة اوباما تجرى مفاوضات بشأن إمكانية إنشاء صندوق بناء على طلب من الحكومة المصرية لإزالة رقابة الكونغرس على المساعدات الأميركية الاقتصادية المقدمة لمصر في المستقبل. |