•هناك مخطط لدمج الأقباط قصريًا في الدولة لتغيير هويتهم القبطية.
•المحاكم تعترف بشهاده الأزهر ولا تعترف بشهادة الكنيسة.
•الكنيسة ليست منوطة بالدور السياسي والدولة تسعى لإلصاقه بها.
•لا توجد صفقات بين الدولة وكبار الأساقفة.
•البرادعي ليس مسيح الأقباط المنتظر.
•على الأقباط التحرر من الخوف للخروج من مرض "الزمية".
•سينتهي صراع أقباط المهجر عندما تعلو قيمة القضية القبطية على المصالح الشخصية.
حوار: مايكل فارس – خاص الأقباط متحدون
كنا قد تطرقنا في الجزء الأول من حوارنا الهام مع مع الدكتور عوض شفيق، أستاذ القانون الدولي بجامعة جينيف، ورئيس الجمعية الدولية لحقوق الإنسان "فرع مصر"، ورئيس الاتحاد القبطي الأوروبي، وعضو هيئة الدفاع عن جرجس بارومي، إلى قضية جرجس بارومي، والشأن القبطي الداخلي، وسنواصل في الجزء الثاني والأخير من هذا الحوار حديثنا معه حول قضايا الأقباط، ودور الكنيسة، وموقف الدولة حيال الملف القبطي.. فإلى الحوار..
-ما الفرق بين "الدمج" و "الاندماج"؟
-الاندماج هو أن نندمج كأقباط بشكل تلقائي وطبيعي في المجتمع كهوية وطنية، ولكن الإدماج هو أن يتم إدماج الأقباط قصريًا في المجتمع لتغيير هويتهم القبطية، وهو ما نراه جليًا في الماده الثانية للدستور.. وهذا مخطط يجب التصدي له.. وتعريف الدمج القصري هو استيعاب الأقلية في الأغلبية لتغيير هويتها.
-ماهي أساليب الدمج القصري للأقباط؟
-أولها الأسلمة القصرية مثلما حدث لماريو وأندرو اللذين أصبحا مسلمين في الأوراق الثبوتية بالتبعية لوالدهم المسيحي الذي أشهر إسلامه، على الرغم من أن القانون يكفل لهما حضانة أمهما وكذا الحق في اختيار دينهما بعد بلوغ سن 15 عامًا.. والإسلام يسمح بذلك، إلا أن هناك ثغره قانونية، فالمسلم الذي يريد أن يكون مسيحيًا لا يجد جهة اختصاص تعترف بها المحكمة، وحتى يُثبت الشخص أنه مسيحي، تعطيه الكنيسة شهادة بذلك، ولكن المحكمة لا تعترف بهذه الشهادة حتى تتغير الأوراق الثبوتية، ومصلحة الأحوال المدنية ترفض التغيير لأنه لم يصدر حكم قضائي بذلك، وحتى لو صدر لا تنفذه حتى تتغير بيانات الأوراق من مسلم إلى مسيحي، في حين أن المسيحي لو أراد أن يكون مسلمًا، فإنه يأخذ شهادة إشهار إسلام من الأزهر ويذهب بها لمصلحة الأحوال المدنية، فتغير البيانات دون أي أحكام قضائية.
-ولقد مر 125 عامًا على إنشاء المحاكم، ولا يوجد تشريع قانوني ينظم حرية العقيدة، فالدستور بشكل عام يكفلها، ولكن لا وجود لقانون أو تشريع يحدد كيفية التعامل مع هذا النص، فنحن نعيش كأننا "زرع شيطاني في مصر".
-هل معنى ذلك أن المحكمة تعترف بشهادة الأزهر لتغيير الديانة ولا تعترف بشهادة الكنيسة لتغيير الديانة؟
-بالضبط .. وهذا يُعد تمييزًا كبيرًا، فعندما يذهب العائد للمسيحية أو مسلم متحول للمسيحية، إلى المحكمة لتغيير الديانة إلى المسيحية، يُقال له لابد من وجود حكم قضائي.. وهناك أسلوب آخر متعلق بقانون دور العبادة، فحرية العقيدة تشمل ممارستها بشكل علني وحماية الرموز الدينية والاعتراف بالأعياد الدينية الرسمية، وهو ما نصت علية المادة 18 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، وهذه المادة أعطت ما يقرب من 30 حقًا ولكن لا يتم تطبيق أي هذه الحقوق من أجل الدمج القصري.
-والقصر لا يأتي بالعنف بل بالالتواء، فمثلاً عندما أنتظر ترخيصًا من رئيس الجمهورية لبناء الكنيسة وترخيصًا من المحافظ لترميم الكنيسة، فهذه التواءات لعدم أخذ الحقوق.
-هل ترى أن الكنيسة المصرية تلعب سياسة؟
-عبارة أن الكنيسة تلعب سياسة وأنها تقحم الدين بالدولة هي لفظة من ألفاظ سياسية هدفها الدمج القصري للأقباط؛ فالدولة تحاول إدخال الكنيسة في السياسة بشكل مباشر وغير مباشر وتحاول إلصاق ذلك بها، كما أنه يتم ترويج الصراع بين الكنيسة والعلمانيين.. والحقيقة أنه منذ بدء المسيحية وبها إكليروس وعلمانيون ومعروفة اختصاصات كل منهم، ولكن الدولة تحاول ترويج بعض المصطلحات لإتمام الدمج القصري، فالكنيسة مغلوبة على أمرها ولم تستطع حماية أولادها العائدين للمسيحية أوأي شخص يريد أن يكون مسيحيًا، فلا يوجد قانون للأحوال الشخصية رغم تقديم البابا شنودة للقانون منذ 25 عامًا دون استجابة من الدولة، وهو ما يُسمي بالامتناع عن اتخاذ الفعل وهو من قبيل الدمج القصري.
-ما الحل إذن .. وكيف للكنيسة أن تخرج من هذا المأزق؟
-الكنيسة طالبت الدولة كثيرًا ووضعت الحلول دون استجابة من الدولة، وقداسة البابا شنودة لخص في إيجاز مشاكل الأقباط كلها في كلمة واحدة وهي "التهميش".
-ولكن هناك من يزعم أن هناك تحالفًا أو صفقة بين النظام المصري وقداسة البابا وكبار الأساقفة، بموجبه يتم تمرير قرارات تخدم كبار رجال الكنيسة وتصب في مصالحهم مقابل صمت الكنيسة على انتهاكات الدولة ضد الشعب القبطي، بدليل أن الشعب القبطي لم يحصل خلال عهد الرئيس مبارك بأكمله
على حق سوى عيد 7 يناير.. فما تعقيبك؟
-انا ضد هذا الكلام.. ونظريتي ترتكز على محاولات الدولة لدمج الأقباط والكنيسة قصريًا بشكل مباشر وغير مباشر، فالكنيسة دورها الأساسي هو الرعاية الروحية، والكنيسة تعمل بفكرة التعايش مع المسلمين وليس التواطؤ، ولا يصح أن نتهم الكنيسة بأنها تورط شعبها من أجل السياسة، ولكن المشكلة هي أن الأقباط والمصريين عمومًا يعيشون على فكرة الحاجة؛ بمعنى إذا لبيت احتياجاتهم الأساسية فسيكونون راضين، أما إذا لم تفعل، فسيحدث العكس، والأقباط احتياجاتهم تزايدت بسبب الزيادة في عددهم وقلة الموارد المتاحة لهم لذا فهم غاضبون.
-هل ترى أن البرادعي هو المسيح المنتظر للأقباط.. وهل سينجح في فك شفرة المعادلة الصعبة بين الحزب الوطني والإخوان.. ليكون الطريق الثالث الذي
على الأقباط اختياره؟
-البرادعي ليس المسيح المنتظر.. فالغريق دائمًا ما يبحث عن طوق نجاة، فعندما ظهرت "كفاية" اعتقدت الناس أنها المسيح المنتظر، وجاءت بعدها حركات أخرى، ولكن الحقيقة هي رغبة الأقباط في التغيير وتعبيرهم عن التمرد الداخلي للحزب وللإخوان، ولكن مصر لن تتحرر عن طريق المسيح المنتظر، بل عن طريق تحرير الفرد نفسه وإصلاحه لذاته والتحرر من الخوف عن طريق معرفة حقوقه وكيفية المطالبة بها وكيفية حمايتها.
-والمشكلة أن هناك بطلاً منقذًا لكل فئة، فمثلاً لوجاء شخص يعترف بالبهائية كدين سيكون المنقذ للبهائين، أو جاء ماكس ميشيل بفكرة الأحوال المدنية، سيُصبح مخلصًا للذين يعانون من مشاكل الطلاق، ولو جاء شخص ليعترف بقانون دور العبادة الموحد سيكون المنقذ للأقباط، ولو اعترف بالشريعة الإسلامية سيكون المنقذ للإخوان، ولكن هذا المنقذ سينقذ فئة فقط وليس مصر كلها.. الحل هو وضع كل حقوق وحريات الإنسان في دستور قوي ليضمن حقوق كل الفئات لتحصل كل فئة على حقوقها من مصدرها الأساسي وليس من شخص منقذ.
-لو لك حق الانتخاب وأمامك الرئيس مبارك والبرادعي.. من ستنتخب؟
-لا أستطيع الإجابة بشكل مباشر، ولكن أنا لا أنتخب شخصًا بل برنامجًا، والاثنان لم يقدما برنامجًا قويًا يُشبع رغباتي في تحرير الإنسان المصري.
-كيف يخرج الأقباط من مرض الزمية؟
-بالخروج من القاع والتحرر من الخوف وعدم القوقعة، على الرغم من أن القضاء يحكم في قضاياهم بالزمية والمعاملة كذلك، لكن الأمل في التغيير موجود.
-كيف يتم تحرير الأقباط من الخوف والكنيسة "أنتجت" أشخاصًا غير قادرين على مواجهة المجتمع؟
-الشعب يفهم نصوص الكتاب المقدس المتعلقة بالتسامح خطأ، فمثلاً مبدأ المسيح من لطمك على خدك الأيمن حول له الأيسر هو عن التسامح، ولكن التسامح معناه أنه لا يقبل الفرد الظلم ولا يعني التنازل عن الحقوق بل المطالبة بها وبالحرية، وعدم الخوف، والتسامح يعني أيضًا التحرر من الدوجما (أفكار ثابتة مطلقة غير قابلة للنقد) الدينية، ويعني عدم التنازل عن الحق، وعدم قبول الظلم، فعندما لطم أحد الجنود المسيح، تحدث المسيح عن حقه وقال لماذا لطمتني إذا ارتكبت خطأ قل لي.
-وبالفعل الكنيسة استخدمت نصوصًا دينية مثل أن وطن المسيحي في الأبدية وليس العالم، في محاولة لفصل المسيحي عن العالم، الأمر الذي جعل الأقباط يحيون في حالة انفصام في الشخصية، فيدخل المسيحي الكنيسة ليجد الأجواء الروحية، ويخرج للعالم فيجد الجحيم فيهرب مرة أخرى للكنيسة بحجة السلام الروحي، وعلى الكنيسة الخروج من هذا المأزق وتحديد مفاهيم التسامح والمساواة والحقوق للمسيحيين.
-أخيرًا.. متى ينتهي الصراع في الاتحاد القبطي الأوروبي؟ وصراع أقباط المهجر بشكل عام؟
-أنا لا أطلق عليه صراعًا.. وهنا أود أن أوضح أن القبطي في الخارج مظلوم من نفسه، فهو يرى القضية في الخارج بشكل ثأري، وقبطي في الداخل يرى المهادنة أفضل، وعمومًا سبب المشاكل في الخارج أن كل شخص ينظر للقضية القبطية بعقليته وتفكيره الخاص، وقبل كل شيء يضع مصلحته الشخصية وحب الزعامة وحب الظهور، ويرى البعض أنه إصدار بيان عن مشكلة قبطية أو كتابة مقال في هذا الشأن، يعتبر أفضل ما بالإمكان، ولكن المصالح الشخصية الضيقة هي من صنعت الصراع، فأنا وبعد ترشيحي لمنصب رئيس الجمعية الدولية لحقوق الإنسان فرع مصر، فوجئت بأقباط يقولون لي سنقف ضدك، وآخرون يقولون "اشمعني احنا، عايزين نبقي زيك"، وآخر قالي لي "هراقبك"، وآخر قال "هبقي ضدك"، فالزعامة والطموح الشخصي سيطيحون بالقضية القبطية، وهناك مشكلة أخرى أن كل الذين في الخارج يريدون العمل في حقوق الإنسان على الرغم من أن كثيرين غير متخصصين في هذا المضمار، لذا سينتهي الصراع عندما تعلو قيمة القضية القبطية على المصالح الشخصية.
لقراءة الجزء الأول من الحوارانقر هنــــــــــــــــا |