بقلم: مينا نبيل فرنسيس
كل يوم يزداد يقيني وإصراري على أن مجتمعنا، ورُغم كل ما يموج به من مشكلات سياسية واقتصادية وخُلقية، لم يزل يحتفظ بقدر جيد من لمسات الإنسانية الحانية، ولقد فضلتُ أن أكتب مقالي هذا بعيدًا عن ضوضاء القضايا السياسية التي تشغل بال مجتمعنا هذي الأيام، بعيدًا عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، بعيدًا عن التعديلات الدستورية، بعيدًا عن المرشحين المحتلمين للرئاسة والجدل المُثار حولهم، بعيدًا عن ادعاءات إسرائيل بإطلاق صواريخ "سكود" على أراضيها من سيناء، بعيدًا عن الارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم، وزيارات وزير التعليم المفاجئة، لأنه وكما قرأتم في الأسطر القليلة السابقة، فإن مجرد سرد عدد قليل من هذي القضايا كفيل بإثارة غثيان القاريء، كما أن لهذي الأمواج المتلاطمة من التعقيدات متخصصيها ومحترفيها الذين يُجيدون مناقشتها..
ولقد فضلت فقط طرح قضية إنسانية قد لا تكون جديدة، ولكنها هامة جدًا، وهي "أهالينا.. وخروجهم المبكر على المعاش من حياتنا"، ولقد فضلتُ طرحها لا من منطلق إدانة الجاحدين غليظي القلوب أو حتى من أخذتهم دوامة الحياة، بل من منطلق طمئنة كل أب وكل أم أن هناك أبرارًا كثيرين موجودون ويحيون بيننا، لأنه برأيي إن لم يستقم فكرُنا وقلبنا تجاه والدينا، وإن لم نكن أبرارًا بهم، فليعوض الله علينا في مستقبل هذه الأمة..
لقد تزايدت في الأونة الأخيرة مخاوف كثيرة استوطنت عقول وقلوب عديد من الآباء والأمهات بشأن جحود أبنائهم، وحقيقة ورغمًا عن قصص النكران التي ملأت مجتمعنا، والتي تدمع لها أعين جميع من تبقى بداخلهم ذرة من الرحمة والمودة، فلم تزل هناك قلوب مستعدة وللنفس الأخير من عمرها أن تقدم كل امتنان وحب ورحمة لذويهم..
هناك قلوب لم يزل لسان حالها يصرخ ويقول: أبي.. يومًا لن تكون كخيل الحكومة، ينتهي وجودك بحياتي بمجرد أن أستقل بذاتي.. أبي.. كنت وستظل طاقة الأمان التي أستظل بنورها.. كنت وستظل من بذلت حياتك وعمرك وطاقة عطائك من أجلي، ولو قسيتُ عليكَ يومًا أكون كمن قطع شريان المحبة بداخله..
أؤمن أنه ورغم قسوة وصعوبة تلك الأيام، إلا أن كثيرين يصرخون: أمي.. أنا عبدٌ تحت قدميكِ.. وإن رحلتِ فأنا عبدٌ تحت قدمي الأمومة وذوي القربة.. عبدٌ بالمحبة تحت قدمي من حزنت لحزني وفرحت لفرحي وداست على عسل الحياة من أجل راحتي..
أؤمن أن كل من جرح وعذب أمًا بنسانيه ليال لم تنم فيها من أجل أن تمسح دموعه أو تطمئن على حاله أو صحته، أؤمن أن من أوجع قلب أبٍ نسى تعبه الجسدي عن طيب خاطر ليُعطي هناءًا لأولاده، أؤمن أن كل هؤلاء يومًا سوف يندمون على قسوة قلوبهم لأنها لم تكن بحق أب أو أم، إنما بحق إله يُكرِّم ويحترم الأبوة والأمومة..
حقا لم يمت الحب.. حقا لم تنتهِ الرحمة.. لأن نبعهما حيٌّ للأبد ولن يموت..
لذا فإني أردد مع كل من بقيت الإنسانية دستورًا لهم:
أيا أمي ويا أبي.. يا من زرعتا محبة لن تحصدا إلا المحبة، يا من زرعتا بالجهد والكد والعطاء رجالاً، لن تحصدا إلا سندًا لكما وقت المحن..
فلا تخف يا أبي ولا تخافي يا أمي.. إن قتلت خيل الحكومة فأنتما صنيعة الرب ورسالة الحب، ولأنكما الحنان والإنسانية، لن ينساكما الربُ يومًا وسيعوض لكما أضعافا عن كل بذل..
ومن خلال تلك الكلمات البسيطة أدعو كل ابن وابنة فقط أن يطمئنا قلب ذويهم بلمسة رحمة، بفعلة بسيطة تقول أنا أحبُك، وعهدًا أمام ربي يومًا لن أقسو عليكَ
وليحفظهم لنا الله دومًا من كل تجريح أو أذى.. |