بقلم: هيام فاروق
منذ أيام تمتعت بحضور ندوة فى منتدى الشرق الأوسط للحريات ، عن العنف الطائفى .. و كان يدير الندوة نخبة من الأساتذة الأجلاء الأستاذ / فريد زهران، صاحب دار المحروسة للنشر والمتحدث بأسم اللجنة الوطنية لمناهضة العنف الطائفى، الأستاذ / مدحت الزاهد الكاتب الصحفى المعروف .. الأستاذ عادل رمضان المسئول القانونى و مُعد التقرير .. الأستاذ / سعيد شُعيب مدير تحرير جريدة اليوم السايع.
الحقيقة كنت سعيدة جدا بسماع كلمة كل منهم على حدة ، و كلهم مسلمين مستنيرين و معتدلين .. و سمعت منهم مدى إستنكارهم لأعمال العنف الأخيرة ضد الأقباط من جانب الإخوة المسلمين و أيضا من جانب الدولة و تقاعسها المُتَعمد فى حماية الأقباط.
و أيضا أجمعوا على سلبية الأقباط فى جميع الجهات السياسية بل و حتى الإجتماعية.
و كانت هناك بعض المُداخلات من مسيحيين و مسلمين التى كان لها أثر فى النفس .. و من أكثر المُداخلات التى لفتت نظرى مداخلة للقس ( يسطس ) عرض فيها واقعتين حدثتا معه : الواقعة الأولى : يقول فيها أن جاءته إحدى الدارسات فى علم الأديان من جامعة الأزهر ، و فى أثناء مناقشتها معه صارحته أنها ترى فى أحلامها السيد المسيح كثيرا .. فكان رد أبونا يسطس بأن هذا من الطبيعى حيث إنشغال ذهنها بموضوع البحث .. فأجابت قائلة : و لكنى تعجبت عندما ذهبت للدكتور المشرف على موضوع بحثى و صرحت له بهذا فرد علىَّ قائلا : ( إوعى من الإنزلاق فى هذا .. أنا بحذرك ) كان هذا هو الموقف الأول بلا تعليق
الواقعة الثانية : أراد الأب يسطس إستخراج تصريح لعربة جديدة أشترتها الكنيسة و هى عربة نقل موتى ، و كالعادة ذاق الأمرين فى إستخراج الأوراق المطلوبة و فى النهاية لم يوافقوا .. فأشارت إليه إحدى الموظفات بالتوجه إلى العقيد ( فلان ) .. و بالفعل توجه أبونا له فحياه العقيد بإحترام و نظر إلى العربة قائلا : ( غريبة أوى .. أنا عارف إن لكم إتصالات بأمريكا .. مش قادرين يجيبوا لكم عربية ( ... ) فتعجب الكاهن و إبتسم و إستنكر فى مداخلته قائلا : أين المثقفين ؟؟!! إذا كان الدكتور الأزهرى و عقيد شرطة بهذا الفكر .. فأين المثقفين ؟؟ !!! عجبى
و مما يزيد الضحك ضحكا أن عقبت عليه إحدى السيدات بالندوة قائلة : ( أصل يا أبونا العربية دى بتنقل الناس للنار مش للجنة .. عشان كدة تصريحها صعب ) عجبى أيضًا.
و الجدير بالذكر أننى كنت فى محاضرة إعلامية يوم الجمعة الماضى فى كلية الإعلام ، جامعة عين شمس و كانت هناك دكتورة مُحجبة أكن لها كل الإحترام تتحدث فى مادة الإتصال التنموى و فى وسط المحاضرة أوضحت دور الكنيسة و الجامع كقادة فكر فى المجتمع فقالت كلمة حق أن : ( الكنيسة تقوم بدورها فى تشديد حماس الشباب على قيم أخلاقية كالحب و التسامح و العمل و ... إلخ من القيم الجميلة .. أما أئمة المساجد فمعظمهم يتكلمون عن تكفير الآخر و كراهية كل من لا يدين بدين الإسلام ) كانت هذه عبارتها بلا تعليق أيضا.
بعد المحاضرة توجهت لمنزلى فاستقليت تاكسى من أمام الجامعة ، و كان السائق رجل على ما يبدو أنه مُسن .. لفت نظرى وقوفه برهة من الوقت ناظرا إلى داخل ساحة الجامعة .. ثم قال : ( شايفة بالذمة يا مودام !!! البنات ماشيين جنب الشباب إزاى !!! ) تعجبت سائلة ، و ما الذى يضيرك فى هذا ؟ فقال : ( إزاى بقى .. هو فى أنضف و لا أحلى من التعليم الأزهرى ، اللى مفيهوش غير الراجل لوحده و الست لوحدها ) .. الحقيقة .. جزعت نفسى منه و أجبته : ( ياراجل كان هناك زمن لا يذهب فيه إلى معاهد التعليم الدينى سوى الفاشل علميا و دراسيا ) و لم أشأ أن أزيد لأنى علمت من الوهلة الأولى جهله زيادة على تعصبه الأعمى .. و لكنه إستفزنى قائلا : ( و حضرتك مش مغطية شعرك ليه ؟ ) فأجبته أنا مسيحية و ظل يستطرد فى الحديث إلى أن قلت له ما فائدة تغطية الشعر و تعرية الأخلاق يا محترم .. إلبس سيادتك نقاب و إصعد إلى عربة السيدات فى مترو الأنفاق و ستسمع و ترى و تشم ما لا يَسُرك و لا يُرضيك .. فقطع الحديث قائلا : ( لكم دينكم و لى دينى ) و كانت هذه هى عبارته الأخيرة فى طريقى الذى أحمد الله أنه كان قصيرا مع هذه العقلية المتخلفة.
يا سادة .. أرى أننا عندنا صفوة من الأدباء و المفكرين المسلمين المعتدلين المستنيرين الذين يصلحون أن يكونوا قادة فكر أمثال الدكتور فرج فودة و سيد القمنى و الأستاذ / نبيل شرف الدين و رأيت مثلهما الكثير كأمثال السادة الأفاضل الذين أداروا الندوة ، و السادة الأجلاء من الكُتاَّب الحافل بهم موقعنا هذا ( الأقباط متحدون ) أمثال الأستاذ / صبرى الباجا و الأستاذ / نصر القوصى و الأستاذ أحمد الأسوانى ... إلخ .. و البقية الباقية أمثال هذا السائق يمكن تطويعها و تنويرها .. فلماذا لا ننهض بمجتمعنا و نتعامل مع بعضنا - أسفة فى التعبير - بــــلا ديـــــــن
لماذا لا نُرجع زمننا الجميل حيث كانت جدتك زمااااااان تسير بدون غطاء الشعر و لم يضايقها أحد؟
دعونا نخرج من عباءة الدعاة و المحتكرين للدين .
دعونا نتحرر من جلباب رجل الدين و ندعه للتنوير الروحى فقط .
دعونا نتنصل من عرب شبه الجزيرة العربية و نفتخر بفرعونيتنا و أجدادنا.
دعونا نحب بعض دون أن نعرف إن كان هذا مسلم أم مسيحى أم بهائى أم بوذى أم هندوسى .
دعونا ننشىء أطفالا يحملون الحاسبات و أجهزة المعلومات الإلكترونية المحمولة لتصبح بديلا عن الحقائب المحمولة على الظهر المكدسة بكتب و تعاليم ليس لها أدنى علاقة بالعلم.
تحياتى للجميع |