بقلم: محمد الجيلاني
يجب على المثقفين المصريين الدعوة لثقافة عقلية تنورية تكون بمثابة المصباح الذي ينير الطريق ويهدي إلى صراط مستقيم، ويطارد فلول الظلمات التي حجبت النور عن حياة المصريين. فمصر والمصريون بحاجة لتجديد ثقافي يفجر ثورة ثقافية ترفع الغشاوة عن الأبصار وتجلي البصائر وتفند الخرافة عن العقول وتعلي سلطان العقل على ببغاوية النقل، وتضع الإرادة الإنسانية - والتي هي امتداد وصدى لإرادة الله - في مكانها من الفاعلية في صياغة الحياة وصناعة التقدم، والخروج بالأمة المصرية من برزغ التخلف الذي صاغتة وطمست به على عقول الأمة ثقافة القدرية لا ثقافة الاختيار الحر، وثقافة التواكل والرضاء "بالمقدر والمكتوب على الجبين وبالنصيب" لا ثقافة التوكل بمعناة الايجابي الصحيح.
وهي مفاهيم سلبية وسالبة قامت على الخلط بين علم الله المسبق بما سيفعل الإنسان بمسيرة حياته من خير أو شر أو نفع أو ضر وبما دون من هذا العلم الإلهي المسبق، وبين ما أراده الله للإنسان من أن يكون حرًا مختارًا، فبنى ثوابه وعقابه له على هذا الاختيار الحر والذي يتنافى عدم الإيمان به مع مقتضى العدل الإلهي الذي يأبى أن يُنزل على عباده عقابًا وعذابًا عما اقترفوه على غير إرادة منهم، إذا ما كانوا قدرية تعسة كتبت عليهم من قبل ولاحيلة لهم في دفعها. وبعدما اختلطت الأمور وغلبت المشتبهات وزُيفت القياسات التي تميز الطيب من الخبيث وبعد أن طاردت العُملات المزيفة القيم الصحيحة، فإن أصحاب دعوة التنوير للمجتمع والوطن لا يزالون ينالهم رزاز من محترفي ترويج العُملات المزيفة، الذين يفترون على الله وعلى الناس الكذب، فيرمون المنورين باحجار التكفير وتهم العلمنة والعلمانية فيُخدع ببضاعتهم كثيرون ويجدون لتلك البضاعة الفاسدة السامة الملوثة رواجًا فيما تدور له المطابع من كتب وصحف ومجلات ودوريات، تطفح بها الأرصفة في الشوارع ويكون لها التوزيع الأعلى في الموسم الثقافي السنوي لمعرض القاهرة للكتاب.
وكذلك بثت طروحاتها المزيفة في الندوات التي تنعقد في أماكن العبادة وفي المدارس والجامعات وفي مقار النقابات والتي تنقلها أو تدعو لمثلها ومزايدة عليها وسائل الإعلام الرسمية خاصةً الإعلام الرسمي المرئي من أجل المزيد من ترويجها والإقبال عليها أيًا ما كان تأثيرها السلبي في العقول والأفهام، وماتؤدي إليه من تغييب الوعي وشل الإرادة.
أما يدور في بعض خطب الجمعة وهي صلاة الجماعة التي هي بمثابة المؤتمر الأسبوعي لجماعة المسلمين فبدلاً من أن يتناول الخطاب عرضًا ومناقشةً للمجريات والمستجدات في شئون دينهم ودنياهم، فغالبًا ما تقوم الخطبة في بعض المساجد على صراخ يتنافس عليه الخُطباء مع أقرانهم في مساجد الجوار من خلال مكبرات الصوت، ولايمل هؤلاء وهؤلاء من التحذير المنفر من الدنيا والتعاطي معها. وهكذا تتبدد على يد الخطاب الديني السلبي وما يحمله من ثقافة سلبية سالبة أعظم طاقة محركة لقدرات الأمة وهي طاقة الإيمان البصير والتدين المستنير الذي يُعلي من شأن القيمة الإنسانية ولا يضع إرادة الإنسان وفعله وحركته وسعيه الدنيوي في موضوع المواجهة مع المشيئة الإلهية وكأنها في موضوع التحدي لها !!
الأمين العام المساعد للحزب الدستوري
مؤسس حركة مصر للمصريين |