بقلم : محمود الزهيري
هذا النص إستوقفتني حيرته وعشقه وغروره , فكانت الشاعرة السعودية سهام محمد , وأظن أنها مازالت تأتي نصوصها معبرة عن هذه الحيرة وهذا الإرتباك الوجداني المتمسك بتلابيب العزة والكرامة , والذي يهفو إلي مجرد التعبير عن جيشان الروح , ووله القلب , وتأله أحاسيس الصدق التي غالباً ماتكون مفقودة بالقصد العمدي , وحينما تتكشف هذه الحقيقة تتأبي الروح إلا للهروب إلي الموت , أو الهروب من الموت عشقاً !!
لعلها جملة المواريث الإجتماعية التي دأبت علي القيام بدور إجهاضي لكافة المشاعر المربوطة بوريد الحب والعشق والوله والغرام والوجد , ولعلها تصدقها المواريث الدينية في مجتمعاتنا الدينية التي تؤمن بقيم السماء , وتتنكر لها بقيم الأرض , لعلها العادات والأعراف والتقاليد الحاكمة لحياتنا كلها في النفاق والرياء الإجتماعي والظهور بمظاهر خادعة للعين والعقل , وخادعة للوضعية الإجتماعية المتنافرة مع حقائق النفس الإنسانية بسيرها علي قضيب الخوف والحيرة والقلق الإنساني , وتطلعاتها لقضيب الرجاء والعفو والمغفرة والتسامح , أو هكذا تعلمنا علي مقياس متوارث , ومعيار ثابت عبر الأجيال لايمسه تعديل , ويستحال عليه التغيير والتبديل .
في هذا الوغش , وذاك الربش , وتلك الأماني المكسورة كانت الفتاة والمرأة العربية تعيش في وسط مزدحم بقيم مجتمع ذكوري مصطنع و متوهم ,ومتحيزاً لقيم مايسمي بالذكورة والأسرة الذكورية الأبوية العربية الرافعة للذكر علي الأنثي , والمقدمة له والمؤخرة لها , والمعلية من قدره ومقداره والمهدرة لقدر ومقدار الأنثي , والتي تغفر له جرائمه وتسامحه عليها , وتشدد من العقوبات والجزاءات علي الأنثي , هذا الذكر المباح له التغني بالحب والغرام والهيام والعشق والوله , بل والبوح بحديث المسامرة والندامي والخمر والتلاقي والتواعد بالأنثي برغبات ونزوات محرمة , وفي ذات الوقت وعلي غير ذات الوتيرة يبيح المجتمع الذكوري العربي أن يكون في علاقته الغرامية فتاة أو إمرأة , ولايبيح للفتاة أو المرأة أن يكون في علاقتها ذكر , شاب أو رجل , والمتوجب حال الصدق أن يرفض المجتمع تلك العلاقة أو ذاك بوتيرة ذات منظور إجتماعي إنساني واحد , ولكن الشاخص فقط هو الوتيرة الذكورية فقط !!
يعيش الرجل أو الشاب كيفما يحلو له , ويعبر عن ذاته ومشاعره ووجدانه وإحساسه , حتي أحاسيسه الحائرة يجد لها متنفس , إلا الفتاة أو المرأة دوماً في حالة الحيرة والقلق الإنساني , وإن سمح لها بالتعبير عن الحيرة ومشتقاتها تكون علي مثل هذا اللون الفني النثري البديع :
حائرة أنا بين صفاتك وقلبك
كيف سأكون ملمة بك
وقد سحبت روحي اليك
واخذت كل انفاسي لديك
يالهذه الحيرة التي قد تصل لحد القداسة في الضعف والوهن الأنثوي أمام سلطان القلب الحائر بين صفات قد تكون صادقة أو غير ذلك , وقلب يعلن الصدق ويعلي من راية الوفاء , لدرجة الوصول لحالة من حالات السحر الجنوني التي بمقدرتها أن تسحب الروح وتأخذ الأنفاس في حال توحد مع من أحب هذا القلب , وكأنه الأسر المقدس الذي لايرجي منه تحرر أويطلب إليه جلاء , فالتحرر وجع , والجلاء ألم , والرحيل غاية المأساة . يامن إحتللت سماءقلبي , ورفعت أعلامك وراياتك علي أرضه , يامن وحدت بين وطني ووطنك , وأصبح قلبينا قلب واحد , وروحينا روح واحدة , وشهيقنا وزفيرنا واحد , فكيف يمكن لي أن ألم بك , وأتعرف عليك وأعرف صفاتك ؟!!
فأنا الحائرة بين صفاتك وقلبك بُعيد أن سحبت روحي وسحبت أنفاسي إليك!!
يالهذه الروعة وهذا الإبداع في هذه الصورة التي تري بحال التعجب بُعيد هذه الحالة الوجدانية بلغة التساؤل وكأنه الرجاء , وبلغة متمناه لدوام تلاشي الصبر , لأن الصبر أًصبح مساء , والمساء أصبح أنفاس للصبر, يحيا بها , وكأن هذا الصبر مرض تنعدم معه إرادة طلب الشفاء والتداوي منه , فمع حال التوحد العشقي مازالت الحيرة متبداة , والخوف راصد أهدابه , لتشرق شمس الغرور ومحاولة الإحتفاظ بالذات والكينونة في مواجهة ذات وكينونة أخري , وتبرز الحيرة معلنة أن الروح وعشق الأنفاس يصاحبهما الغرور , بتساؤل عن كيفية التوغل في العشق الأكثر , والتساؤل الحائر بأسلوب الرجاء , أخبرني كيف ؟ فالروح في حالة هياج , وعينيك جعلتني حائرة , ففي حالة مشابهة يقول شكسبير : لعبت عيني دور رسام , وأسكنت وجه جمالك في صفحة قلبي .
وتفكيري ووعيي أصبحا في حالة عدمية !!
وهكذا تحدث النص وأخبر :
مالِ الصبر قد تلاشى
وأصبح مساؤه أنفاسك
ولايريد ان يشفى منك
غروري وروحي وعشق انفاسي
كيف لي ان اعشقك أكثر
أخبرني كيف
الروح بك هائجه
وعيناك تجعلني حائره
لاتفكير لاوعي
يا إلهي !! مالهذه الحيرة وهذا التوجس , كيف بعد توحد الأنفاس , وتوحد الأرواح , كيف يكون للغرور والأنا سبيل أمام باب العشق الذي يترجي عدم البرءُ منه , لتكون حيرة التساؤلات والرجاءات هي رائد الروح ومسبار للعشق , ثم بعد كل هذا يأتي الطلب بإرادة طرق باب العشق , والإنتساب إلي من تحب , بدعوي أن روح من تحب وتهوي تشرق علي قلبها مثل شمس الضحي الجميلة المستساغة , ومثل عين تري في الظلام , وهذا ماينبيء عنه النص في حيرة بالغة تستجلب لون من ألوان الشفقة علي هذا القلب العاشق الحائر المتصنع للغرور والكبرياء والعظمة أمام العشق .
أريد ان اطرق باب عشقك وانتسب اليك
حيث روحك
تشرق على قلبي
مثل شمس الضحى
وعيني الدجى
فليتك أيها القلب تركت هذا العشق , وماتدبرت أحوال العاشقين , وماكنت مقيداً بسجلات قيد الوفاة في دفاتر موتي العشق , وليتك كنت شكسبيرياً مهتدياً بنصه :
منذ تركتك سكنت عيني في عقلي !!
وماكان غرورك وعشقك قد أردي بك سوء المهالك , وما أسوأه من موت أن يكون الموت والإنسان حائر .
وهكذا يختتم النص :
غروري وعشقي لك قد أماتني حائرة
فهل صدقت صاحبة النص حينما تمثلت بهذه المأثورات حينما تمثلتها للتعريف بها :
أحلامنا ذراع مبتورة أصابعها من مشرط الزمن!!
أبني من الأحلام مدن يهدمها الصحو في كل لحظة
أظن , سيظل الغرور والتأبي لمتطلبات الروح الإنسانية , وحتي دواعي الجسد البريئة والمباحة , تمثل دواع للحيرة والقلق قد تصل أحياناً لحد الموت بإرادة من تحب , أو بإرادة خارجة عنها وبقصد السوء في التفسير والـتأويل لهذه الإرادة بمفهوم الشرف والعفة والطهر .
أولسنا عرباً أعراباً معاريب !!
mahmoudelzohery@yahoo.com |