بقلم : عبد الخالق حسين استلمتُ رسائل من عدد من القراء الأعزاء يعاتبونني فيها بأني لم أقف على الحياد من الصراع الدائر بين القوى السياسية العراقية حول تشكيل الحكومة الجديدة. وكان جوابي لهم أنه ليس من الوطنية بشيء أخذ موقف الحياد عندما يكون الوطن مهدداً بالخطر، وبالأخص بخطر عودة البعث. فالحياد في المواقف مطلوب فقط إذا كان الصراع يدور بين مكونات متشابهة في المواقف الوطنية، والاختلاف بينها مسألة اجتهادات وبنوايا صادقة، ولكن ما يجري الآن على الساحة العراقية أن بعض القوى بدأت تكشف عن نواياها الحقيقية التي تهدد بعودة البعث، وإجهاض الديمقراطية الناشئة وبأساليب خبيثة فيها خلط الأوراق للتشويش على الرأي العام، وفي هذه الحالة من السذاجة أن نجلس على التل متفرجين بذريعة الحياد، فـالساكت عن الحق شيطان أخرس. لقد عانى الشعب العراقي كثيراً من قتل ودمار وتشريد من قبل حكم البعث الفاشي خلال أربعة عقود، لذلك من السذاجة السماح له بالعودة ثالثة وتحت أي غطاء كان. فمن تجربتنا المريرة خلال أربعين عاماً من حكم التيار القومي العروبي والبعثي، نعرف أساليب البعث الخبيثة وغدره وقدرته على التلون في اغتصاب السلطة بمختلف الوسائل الممكنة، وهذه المرة يريد العودة عن طريق صناديق الاقتراع متسربلاً بلبوس الديمقراطية ومتخفياً وراء أسماء خادعة. ففي جميع المناسبات التي تسلق فيها البعث الحكم كان عن طريق الآخرين. ففي انقلاب شباط عام 1963 الدموي جاء البعث بمساعدة الضباط القوميين والناصريين، فأغرقوا البلاد بأنهار من الدماء، ولما حاولوا إزاحة من جاء بهم إلى السلطة للإنفراد بالحكم، تغذّى بهم عبدالسلام عارف قبل أن يتعشوا به، فأزاحهم عن السلطة في انقلابه عليهم في تشرين الثاني من العام نفسه بعد أن انحطت سمعة البعثيين إلى الحضيض بإرهابهم الغاشم. والآن وبعد سبع سنوات من التحرير، وبعد أن فشل البعثيون استعادة نظامهم الساقط عن طريق العنف المسلح مع حلفائهم من أتباع القاعدة، حاولوا استخدام الديمقراطية. إذ بدأت تتكشف الأمور بشكل أوضح، فظهرت حقيقة القوى السياسية ومواقفها من الديمقراطية الوليدة، إذ حصلت عملية إعادة اصطفاف القوى إلى أربعة إئتلافات كبيرة (إئتلاف دولة القانون، والائتلاف الوطني العراقي، وإئتلاف "العراقية"، والتحالف الكردستاني). والسؤال هنا: هل من العدالة نعت الكتلتين الأخريين (دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي) بأنهما طائفيتان تنفذان إستراتيجية إيرانية، لا لشيء إلا لأن زعيميهما شيعيان، ولأن في الأولى يوجد حزب الدعوة، وفي الثانية المجلس الإسلامي الأعلى؟؟ في الحقيقة والواقع إن معظم المنتمين لهاتين الكتلتين هم من العلمانيين الديمقراطيين والمناهضين للطائفية ومن مختلف مكونات الشعب. كذلك نلاحظ الرحلات المكوكية المكثفة المستمرة دون انقطاع التي تقوم بها قادة "العراقية" للدول الإقليمية، ومحاولات تأليبها وتحريضها على الكتل الأخرى، ومطالبة المنظمات الدولية (الجامعة العربية والأمم المتحدة والوحدة الأوربية والمؤتمر الإسلامي...الخ) على إزاحة حكومة المالكي المنتخبة من البرلمان العراقي السابق، وتشكيل حكومة جديدة تحت إشرافها، وإلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة، وإعادة انتخابات جديدة تحت إشراف المنظمات الدولية!! فكما قال المالكي: "إذا كان هؤلاء يدعون دول العالم إلى إبقاء العراق تحت الفصل السابع معدوم السيادة وهم لم يخوَّلوا بالحديث باسم العراق، فما الذي سيفعلونه إذا ما تولوا زمام الأمور في البلاد وشكلوا الحكومة المقبلة؟" لا نريد الدفاع عن السيد المالكي، ولكني لن أتردد بأن أتفق تماماً معه على ما قاله أن محاولات قيادة العراقية بتدويل أزمة تشكيل الحكومة العراقية: "... تعطينا الانطباع بوجود مشروع إقليمي ودولي يهدف إلى تنفيذ انقلاب من خلال صناديق الاقتراع، وإلا لِمَ هذا البكاء والعويل الذي يكتسح العالم بسبب عملية إعادة الفرز؟" لقد كان بإمكان قيادة "العراقية" أن توفر على نفسها، وعلى الكتل السياسية الأخرى، وعلى الشعب العراقي كل هذه المتاعب والمشاكل والتعقيدات، بأن تتبع الدستور. فنظراً لعدم تمكن أية قائمة "الأكثر عدداً" من تشكيل الحكومة ما لم تنجح في عقد تحالف مع كيانين آخرين على الأقل، لذا كان على "العراقية" أن تسلك النهج الصحيح وذلك بإقناع قادة كتلتين أخريين على الأقل بحسن نواياها، وكسب ثقتهم في تشكيل الحكومة، ولكن بدلاً من ذلك، لجأت "العراقية" إلى الأساليب الملتوية عن طريق ابتزاز الآخرين، بغية إرغام الكتل الأخرى على التحالف معها، الأمر الذي أبعد عنها الكتل الأخرى ورفضت التحالف معها. لذا فاللجوء إلى الدول الإقليمية والمنظمات الدولية لا يقدم حلاً للمعضلة، بل يفاقمها أكثر، وتكشف النوايا المريبة التي يضمرها قادة العراقية لمستقبل العراق. فآلية تشكيل الحكومة موجودة في الدستور الجديد، في مادته 73 كما يلي: ومن كل ما تقدم، نستنتج أنه ليس هناك أي مبرر لهذه الحملة الهستيرية التي تشنها قائمة "العراقية" حول تشكيل الحكومة بفرض التدخل الخارجي، فالآلية الدستورية موجودة، وهي على قادة الكتل الرجوع إلى الدستور وتفسيره تفسيراً منطقياً والعمل بموجبه. وكلما تمادت "العراقية" في تعقيد المشكلة بالإستقواء بالخارج، كلما تضاءل حضها في تشكيل الحكومة. فتشكيل الحكومة مهمة عراقية بحتة، وليس بإمكان أية قوة خارجية، بما فيها الأمم المتحدة، أن تفرض إرادتها على الشعب العراقي وقواه السياسية، فما هي شعبية وسلطة حكومة تنصبها الحكومات الإقليمية والمحافل الدولية؟ لا شك أنها ستكون حكومة دمى، وهذا ما يرفضه الشعب العراقي. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |