بقلم : أنور عصمت السادات
إن توجهات الوطنى ورائها أسرار الديموقراطية ، والتنمية ، والعدالة ، والمساوة ، وغيرها من الكلمات ذات المعانى الجميلة لا شك .
إنها طموح كل مصرى ، فلا أحد يريد أن يعيش فى مجتمع ملئ بالسلبيات ، ودائماً ما يكون النقد ، وطرح الرؤى والأفكار ، هو السبيل لتغيير الأوضاع، والوصول بمجتمعنا إلى الأفضل.
وكلنا نتفق على أن الإصلاح الدستورى الشامل ، والتداول السلمى للسلطة ، ومحاربة الفساد ، وإجراء إنتخابات حرة ونزيهة ، وغيرها من المطالب ، التى تنادى بها المعارضة المصرية ، ونأمل جميعنا أن تتحقق ، ليست بجديدة فى حد ذاتها ، وإنما هى تأكيد ، وتكرار، وتذكير دائم بأشياء حتمية واجبة ، لم يتم التجاوب معها حتى اللحظة الراهنة.
تنادى المعارضة منذ وقت طويل ، بفتح آفاق الحوار ، وتبادل وطرح وجهات النظر بينها وبين الحزب الحاكم ، وتشكو مراراً من رغبة الحزب الوطنى فى الإستيلاء والهيمنة الكاملة وعدم الإستجابة لمطالبهم . ولكن , وما يسترعى الإنتباه ، أن الحزب الحاكم ، وفى هذه الفترة خصيصاً ، وبالتحديد منذ إنعقاد مؤتمره الأخير ، الذى أبدى فيه لهجة حادة للمعارضة المصرية ، بدأ يتحول موقفه من الدفاع إلى الهجوم والإشتباك مع المعارضة ، وقد شاهدنا مؤخراً ، على سبيل المثال ، مناظرة بين أحمد عز والبرادعى ، وزيارات متتالية للخارج لأقطاب الحزب الوطنى ، وعقد لقاءات ، وحوارات فى منتديات ثقافية ، وفكرية مختلفة بل فى الجامعات المصرية وهو ما يمثل تغيراً ونهجاً جديداً بدأ ينتهجه الحزب الحاكم ..
لا ننكر على الإطلاق بأن هذا توجه طيب ومطلب ضرورى سعت إليه المعارضة المصرية كثيراً , لكن يبقى الدافع وراء ذلك مجهولاً ، ويدفعنا لنتساءل هل هى الترضية ، والظهور بالمستوى اللائق أمام الرأى العام ، والسماع لما تقوله المعارضة ثم الإلقاء بما تطرحه من قضايا وأفكار فى سلة المهملات . فإذا كان الأمر هكذا ، لا داعى لتضييع الوقت؟ أم أنها حالة الحراك السياسى ، والإهتمام بقضايا الإصلاح ، والتغيير ، والديموقراطية التى بدأت تفرض نفسها بقوة على الساحة المصرية ، هى الباعث لإستجابة قد تكون مؤقتة، وإتخاذ منعطف سياسى جديد.؟
أم أن هذا التغير جزء من محاولة للتجاوب مع الإنتقادات الحادة للموقف المصرى فى الصحف المصرية المستقلة، والصحف الأجنبية ، خاصة فى المجالات المتعلقة بحقوق الإنسان ، وكونها لا تطبق معايير وأسس الديموقراطية الشاملة؟
أم أنه الإهتمام الدولى والإقليمى المتزايد ، والتركيز على ما يجرى فى مصر ، بإعتبارها مركز الدائرة ، و قوة التأثير الأولى فى الشرق الأوسط ، وأى تغير فيها من شأنه أن يؤثر على ما حولها من بلدان؟
أم أن قرب إنعقاد الإنتخابات البرلمانية والرئاسية ، ورغبة الحزب فى كسب تأييد الرأى العام ، الذى دائما ما يتهم الحكومة بتقييد المعارضة وعدم السماح لها بالحوار أو تنفيذ أيا من مطالبها هو السبب وراء ذلك ؟
أم هى رغبة خفية فى إظهار المعارضة بأنها فقيرة ، لا تملك برامج أو أهداف ، وأنها تعودت فقط على النقد والهجوم الظالم ، وغير المبرر على الحزب الحاكم؟ !!
كلها علامات إستفهام .. وغيرها الكثير، لكن تبقى الإجابة مفقودة ويبقى التوجه حسناً ، إذا كانت النوايا حسنة، وإذا كانت هناك رغبة صادقة فى تغيير فكر الحزب الوطنى ، والسماح لأحزاب المعارضة بالتمتع بمزايا كان يمتلكها وحده دون غيره .
وإن كان الوطنى يسعى لذلك فلما لا يشمل هذا القصد باقى المجالات الأخرى ، على إختلافها ، ولا يكون قاصراً على الحياة السياسية فقط ؟
فإذا ما كنا نتطلع لأن نجعل مصرنا بحق لكل المصريين ، ونسعى لتغيير ، وتنمية ، وحراك سياسى متتابع يعكس على الأقل ديموقراطية ، حتى وإن بدت غير مكتملة الأركان وبيقين تام بأن القوانين لا يمتلكها أحد ، وإنما هى ملك للشعب فعلينا أن نثبّت أرجلنا على هذا الطريق .
أما إذا كانت مصر للكبار ، الذين ينسجون لها نهجاً مطاطياً ، يتم التعديل والتغيير فيه وفقاً للظروف ، والمستجدات ، فالكارثة سوف يكون ضحاياها الكثير. |