بقلم: د.عبدالخالق حسين
«كل ما يحتاجه الشر لينتصر هو أن يقف أهل الخير لا يفعلون شيئاً»- إدموند بيرك.
يطالبنا البعض، وخاصة من المتعاطفين مع البعث، أنه يجب أن ننسى الماضي، ونقلب صفحة جديدة، وإلا فنحن لا نختلف عن البعثيين أنفسهم، نطالب بالثأر والانتقام، كما ويقول هذا البعض سامحهم الله، أن ما يحتاجه الشعب العراقي الآن هو رفع شعار "عفا الله عما سلف".
أعتقد أن مطالبة شعبنا برفع شعار "عفا الله عما سلف" للبعثين لا تخلوا من نوايا أقل ما يقال عنها أنها مشبوهة! إذ هناك فرق كبير بين من يطالب بالانتقام من أمثال البعثيين الذين دمروا بلادنا وأمعنوا في قتل الملايين من أبناء شعبنا، وتسببوا في إضاعة مستقبل عدة أجيال، وبين من يدعو إلى اتخاذ إجراءات احترازية لمنع تكرار مجيء حزب فاشي عنصري وطائفي للحكم ثانية مثل حزب البعث ليعيد نفس الكوارث. ونحن لسنا من دعاة الثأر والانتقام بل من دعاة أخذ الإجراءات الاحترازية لمنع عودة البعث.
فشعار "عفا الله عما سلف" يثير في نفوس العراقيين ذكريات مؤلمة جداً، حيث رفعه الزعيم الوطني الشهيد عبدالكريم قاسم، كمحاولة منه لغرس ثقافة التسامح في مجتمع تشبع عبر تاريخه الطويل بثقافة العنف والثأر والانتقام. وبدأ الرجل بنفسه كمثال لروح التسامح، فعفا حتى عن الذين شاركوا في محاولة اغتياله، وكانت النتيجة أن استأسد المجرمون البعثيون واعتبروا عفو الزعيم قاسم عنهم علامة ضعف منه، فتمادوا في غيهم وأمعنوا في جرائمهم بحق شعبنا وحكومته الوطنية، إلى أن نجحوا في انقلابهم الدموي في 8 شباط 1963 الأسود، والذي دفع الزعيم قاسم ورفاقه حياتهم بأبشع الطرق البعثية خسة ودناءة، كما وكلف هذا الشعار شعبنا أكثر من مليونين من الشهداء وخمسة ملايين من المشردين وملايين من المعوقين والأيتام والأرامل، والدمار الشامل الذي لم ينته بعد.
فخطر البعث مازال ماثلاً أمام العراقيين، وكما علق القارئ الكريم شولبان علي، على مقال سابق لي، فقال بحق: [أن اکبر خطأ يقترفه الوطنيون هو أن يقللوا من خطر البعث. ومن الخطأ بالتالي التقليل من خطرهم بذريعة تشرذمهم الحالي، ذلک ان البعث کان وسيبقی تجمعا لشذاذ الآفاق ومنتهزي الفرص وما أن يجدوا موضع قدم في الحکم حتی يجدوا لهم قائدا تتوفر فيه شروط الانحطاط ليجتمعوا حوله ويصلوا لغاياتهم. فمن کان يتصور في شباط 1963 أن ثلة من الشلايتية ستصل للحکم؟ ومن کان يتصور أنهم بعد عارهم وجرائمهم سيرجعون للسلطة بعد 5 سنوات بجماهير لم تکن تتجاوز بضعة آلاف، بل هناک من يقول بضعة مئات؟]
لذا فلا بد لشعبنا من اتخاذ إجراءات احترازية لمنع عودة البعث ثالثة، ومنع تكرار آثامه وكوارثه على شعبنا الجريح. ومن أهم الإجراءات الاحترازية هو مواصلة تذكير شعبنا باستمرار بجرائم البعث، بنفس الطريقة التي تواصل بها مؤسسات الإعلام الغربية تذكير شعوبها باستمرار بجرائم النازية والفاشية في النصف الأول من القرن العشرين، والتي انتهت بالحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة 55 مليون إنسان في أوربا، ودمار شامل لمئات المدن، ولم ينقذ أوروبا من تلك الكارثة إلا التدخل الأمريكي العسكري الذي قضى على الوباء النازي- الفاشي، كما ولم تنهض أوربا من كبوتها إلا بالدعم الاقتصادي الأمريكي (خطة مارشال) فيما بعد الحرب، لإعادة بناء أوربا.
وهذا التذكير لا يتوقف على المناسبات العابرة، بل هناك الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، والروايات، والصحافة وكتب التاريخ، وتوظيف الفنون بمختلف مجالاتها لهذا الغرض الإنساني النبيل... الخ.
نؤكد مرة أخرى أن تذكير شعبنا والأجيال القادمة بجرائم البعث ليس من باب إثارة الأحقاد والدعوة للانتقام كما يدعي البعض من ذوي النوايا الحسنة أو الشريرة، أبداً، وإنما من منطلق رفع الوعي السياسي والثقافي لدى الجماهيري لمنع تكرار الجريمة، وهي أشبه بعملية رفع الوعي الصحي بنشر الثقافة الصحية لدا أبناء الشعب للوقاية من الأمراض والأوبئة. ففكر البعث هو وباء أسود، ومخاطره على شعبنا أكبر من مخاطر الأوبئة مثل الجدري والطاعون، التي كانت تقضي على أرواح الملايين من البشر.
فحزب البعث هو حزب بعث التخلف والبداوة والعادات القبلية المتخلفة بما فيها من قيم التصحر المعادية لقيم التحضر، وقد تم تغليفها وتزويقها بمصطلحات حضارية مثل (الوحدة والحرية والاشتراكية)، أما عملياً، فكانت الوحدة تعني القضاء على التضامن العربي حتى بحده الأدنى، بل وحتى تمزيق الشعب الواحد إلى فئات متناحرة وذلك بإحياء القبلية والطائفية، أما الحرية فترجمت إلى عبودية وسجون وتشريد وإبادة، والاشتراكية إلى فقر مدقع ومجاعة وديون وتعويضات حروب. وكما بينت في مقالات سابقة، لقد أستعار كتاب البعث لتحديث أيديولوجيتهم البدوية، أسوأ ما في النازية والفاشية من أفكار عنصرية معادية للإنسانية، طبقوها بأقسى وأبشع الوسائل الستالينية والهتلرية والفرانكوية الهمجية. لذلك كان صدام حسين معجباً بثلاث شخصيات معروفة بقسوتهم وهم: ستالين وهتلر وفرانكو.
وحسناً يفعل الأخوة الأكراد في مواصلة حملتهم في تذكير الشعب الكردي والعالم بمأساة حلبجة وعمليات الأنفال، ليس في العراق فحسب بل وفي جميع أنحاء العالم، وعليهم أن يواصلوا هذه الحملة إلى النهاية. فالحكمة تقول: "لا يلدغ عاقل من جحر مرتين" ولكن شعبنا لدغ من جحر البعثيين مرتين، لذلك نطالبه بعدم لدغه للمرة الثالثة. فهل من يسمع؟ |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|