بقلم: سوسن إبراهيم عبد السيد
هي سيدة في العقد الرابع من عمرها.. أتت باكية تشكو وحيدها الذي أفنت حياتها من أجله ومن أجل سعادته، فالأسرة مكونة من أب يعمل جاهدًا صباحًا ومساءً من أجل توفير حياة كريمة لأسرته, وهي ربة منزل ذات مؤهل متوسط. أما الشاب فهو في الخامسة والعشرون من عمره, لم يستطع أن يحصل على مجموع عالي بالثانوية العامة ومع ذلك قاما والديه بإلحاقه بإحدى الجامعات الخاصة، وعندما تخرج استطاع الأب أن يوفر له عملاً خاصًا يدر عليه ربحًا مساعدًا إياه برأس المال. كما وفر له مبلغًا من المال استطاع أن يشترى له به شقة تمليك في إحدى المدن الجديدة.
أما سبب شكواها فكان سوء اختيار الابن للفتاة التي يريد أن يرتبط بها، فهي دون المستوى المرجو ولا تناسبه من نواح كثيرة، ولارتباطي بهذه الأسرة عن قرب اعرف تمامًا أن هذه السيدة هي امرأة فاضلة تبدأ يومها بالصلاة ولا تترك وقتًا حتى تقرأ الكتب الروحية، وعلى الرغم من أنها ليست خادمة في الكنيسة إلا أن الله متعها بروح الخدمة لكل من حولها.
فكانت لا تألو جهدًا في مد يد المساعدة لكل معارفها وأقاربها وجيرانها. والطبيعي عندما تقابل مثل هذه المشكلة أن يتبادر لذهنك لأول وهلة أن تنصحها باستشارة أب اعتراف الشاب وهنا كانت المفاجأة التي لم انتبه لها طوال السنين الماضية، فالشاب لا يمت للكنيسة بصلة ولا يعترف ونادرًا ما يتناول من الأسرار المقدسة, وحينما سألتها عن سبب ابتعاده عن الكنيسة ردت بنبرة حزينة أنه حينما كان طفلاً وكانت تصطحبه معها إلى الكنيسة وكمثل أي طفل يمكن أن يبكى أو يحدث ضجيجًا داخل الكنيسة ولكن في هذه المرة يبدو أن بكائه أثار غضب الأب كاهن الكنيسة الذي كان يمر وسط الصفوف في أثناء دورة البخور وما كان منه إلا أن شد الطفل من أذنه وأمر الأم أن تخرج به خارجًا.
ومن يومها وعند ذهاب الأم إلى الكنيسة ومحاولتها اصطحاب ابنها معها تنتابه حالة من البكاء الهستيري ويرفض تمامًا المكوث ولو لثوان، حتى اضطرت المسكينة أن تذهب بدونه. وفشلت كل محاولات خدام الكنيسة في جذبه لحضور مدارس الأحد ورويدًا رويدًا ابتعد الولد عن كل ما يمكن أن يجعله متواصلاً روحيًا مع الله.
في تلك اللحظة لا أدري لماذا تبادر لذهني قصة الشاب سامي الذي أشهر إسلامه منذ عدة أسابيع وكيف أن خاله كان قد صرح إن الشاب كان لا يذهب إلى الكنيسة ولم يتناول من الأسرار المقدسة سوى مرتين على أكثر تقدير طوال حياته.
ولا يظن البعض أنه ببعيد عن تجربة مثل هذه... فمن الممكن أن يتعرض آيًا منّا إلى إيذاء نفسي من أحد الآباء وعندها يفقد القدوة ويصعب معه التئام هذا الجرح.
ولكي ابسط فكرتي سأطرح مثل المعلم الذي يسئ معاملة أحد التلاميذ في الفصل فإذا بهذا التلميذ ينفر من المادة كلها التي يدرسها هذا المعلم, ليس كرهًا في المادة ولكن لافتقاد القدوة التي كان من الممكن أن تجعله يحب المادة وقد يبرع فيها.
ثم شردت بذهني وعدت بذاكرتي إلى ما يقرب من عشرة سنين مضت وقد مررت بظروف مشابهة لقصة الشاب, ومع أن الأذى لم يكن بدنيًا إلا أن الجرح النفسي قد يكون أبلغ وأصعب، ولكن لأن إلهنا حنون ولا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا ولأنه أتى من أجل الخروف الضال, وضع الرب خادمًا أمينًا وكاهنًا عظيمًا في طريقي ليأخذ بيدي ويعرفني خطأ تقديري للأمور وعدم الحكم على كل ما يدور بحياتنا بشمولية تجعلنا نضع الصالح والطالح في سلة واحدة.
واعترف أمامكم يا إخوتي بأنني عند مقابلتي له في أول الأمر كنت أعامله أسوأ معاملة, معاملة لا يمكن أن يتحملها بشر, وقابل كل إساءاتي بمحبة واحتمال وكان طويل الأناة, مقدرًا ضعفاتي لدرجة إنني كنت أتعجب هل يمكن أن يوجد بشر على وجه الأرض يستطيع أن يحتوى كل هذا الغضب والثورة والرفض؟!
ورويدًا رويدًا بدأت أحس بخطأي ثم أضع قدمي على أولى خطواتي في العودة إلى طريقي مع الله، وكنت كلما تقدمت خطوة نحوه كان الهي بحنانه يسرع إليَّ بخطوات أسرع.
نعم الشيطان يجعل منّا ضحية حتى يستطيع أن يبث أفكاره المسمومة ويشدنا بعيدًا عن الرب.
وإذا عدنا إلى مشكلة الشاب الذي أساء اختيار الفتاة التي يريد أن يرتبط بها سنجد أن عدم وجود الله في حياته هو الذي أوصله إلى هذه النتيجة. وحتى تصلح هذه الصورة في ذهنه لن يستطيع أي خادم أن يقوم بتضميد هذا الجرح, لابد من أحد الكهنة أن يتولى هذه المسئولية و ليس بالضرورة أن يكون نفس الكاهن هو الذي يصلح ما أفسده لأن ذهن الفتى ارتبط بأن كل مَن يرتدى هذا الملبس هو مؤذى.
ولكن من الممكن تحقيق ذلك عن طريق كاهن آخر. ولأن الافتقاد أصبح في بيوتنا من الأمور النادرة أو قل أنها أخذت الشكل الرسمي فأنا ادعوكم آبائي الكهنة أن تنظروا إلى احتياجاتنا النفسية والروحية لوجودكم في حياتنا وفي حياة أسرنا.
اعلم تمامًا المهام الجسام التي تقع على عاتقكم, وبأن خدمتكم شاقة جدًا ولكن دائمًا يحتاج الابن لأبيه مهما تقدم في السن. أما عن شروط الاختيار الصحيح لبناء بيت مسيحي يعيش في مخافة الله فهذا سيكون موضوع مقالي القادم إذا كان في العمر بقية. |