بقلم : جرجس بشرى
في الحقيقة لم أكن أعرف أن هناك حملة قذرة تشنها بعض المواقع الإسلامية المتطرفة على الكنيسة المصرية ، وعلى "قداسة البابا شنودة الثالث"، إلا بعد أن دخلت مؤخراً على بعض هذه المواقع ، وعرفت أن هناك حملة مُنظمة وممولة تمويلاً جيداً تستهدف النيل من قداسته، وعنوان الحملة يدعو إلى الغرابة والسخرية في ذات الوقت ، وهو :" البابا شنودة مطلوب للمحاكمة إسلامياً وعربياً " !! ،
يدير الحملة كاتب وإعلامي يقوم حالياً بإدارة بيت "الشيخ أحمد ديدات" للدعوة !، ومعروف عن الشيخ "أحمد ديدات" تاريخه الطويل في محاربة العقيدة المسيحية، والتشكيك في صحة كتاب الكتب" الكتاب المقدس " الذي لم ولن يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ومن الظريف والطريف، أن القائمين على هذه الحملة الفاشلة والظالمة قد وضعوا عدة أسباب تدعو لمحاكمة البابا شنودةالثالث " إسلامياً وعربياً " ولفقوا للرجل إتهامات باطلة دون سند من أهمها ــ كما جاء بالحملة ــ : سب وقذف الرسول ، وإزدراء دين الدولة ، ومحاربة تطبيق الشريعة ، وإستهداف القرآن الكريم ، وإستهداف الإنتماء للعروبة ،و إستعداء الأجانب ضد مصر ، وبث وإشاعة الفتنة الطائفية ، ودعم التنصير ، ومناوءة القضاء المصري، و تعذيب المسلمات الجدد واعتقالهن في الأديرة وقتل وفاء قسطنطين ، وجمع توقيعات مليونية لحذف الآيات القرآنية من المناهج التعليمية المصرية و .. و.. !!
ومما يدعو للدهشة - بحق - قول القائمون على هذه الحملة المشبوهة و المُضللة : إن استهداف مصر اليوم إنما هو الحلقة الأخيرة في مخطط تطويق جزيرة العرب عسكرياً من قبل الصليبيين الجدد، من أجل ضرب الحجاز، لأن مصر على مر التاريخ ظلت درع الحجاز، والتفريط في مصر وخذلانها في معركتها المصيرية ضد أوغاد القبط وأقباط المهجر سيكون له تبعات على أمن الجزيرة العربية بأسرها والعالم . !!
ومن يقرأ بعمق وإنصاف وتحليل، يدرك مدى الكم الهائل من الإفتراءات والتلفيقات والكذب والتضليل ، لأنه لا أحد يقدر أن يشكك في وطنية البابا "شنودة الثالث" ، لأنه ببساطة مصري يحمل جينات مصرية خالصة وله عبارته المأثورة " مصر ليست وطناً نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا "، وهي عبارة يرددها المسلمون والمسيحيون على حد سواء.
كما أن موقف البابا واضح من القضية الفلسطينية، وإداناته للإعتداءات الهمجية التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة واضحة ، وموقفه من قضية القدس واضح وصريح ولا لبس فيه " فهو البابا الوحيد الذي قال " لن يذهب الأقباط للقدس إلا مع إخوانهم المسلمين " وكون أن هناك قلة تذهب للقدس فهذا إختيارها وتتحمل هذه القلة مسئولية هذا الإختيار.
أما موضوع قتل وفاء قسطنطين، فهذا كلام غير مبرر بالمرة؛ لأن تعاليم المسيح لا تحض على القتل، كما أن قداسة البابا نفى صحة ما أُشيع عن قتلها ، وفي حديث لـ "لأقباط متحدون" منذ عدة أشهر أكد القمص "متياس نصر منقريوس" على أن وفاء قسطنطين ما زالت حية ، ولو كانت وفاء قتلت فلماذا لم يفتح الجهاز الأمني المصري قضية قتلها، ويطالب بتقديم من قتلها للمحاكمة ـ أياً كانوا .
وأخيراً نفى سكرتير قداسة البابا صحة ما نشرته صحيفة "المصريون" المتأسلمة عن أن الكنيسة برئاسة البابا تتبنى حملة مليونية تجمع من خلالها توقيعات لحذف الآيات القرآنية من المناهج التعليمية ، وأكد أنه لا يعرف شيئا عن هذه الحملة وأن ما نشر في هذا الشأن غير صحيح .
وأقول للقائمين على الحملة التى تهاجم الكنيسة أن الكنيسة لم تطالب بحذف آيات قرآنية من المناهج التعليمية، بل أن من طالب بذلك مصريون مسلمون وطنيون حتى النخاع أمثال الخبير التربوي "كمال مغيث" ، و"عبد الحفيظ طايل" ، ونحن لم نطالب بحذف الآيات القرآنية من مادة الدين الإسلامي ولكننا نطالب بعدم إجبار الطالب المسيحي على حفظ آيات قرآنية في مقررات اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا وغيرها ، فليحفظ الطلبة المسلمون ما يحفظون من نصوص قرآنية، ولكن في مقرر التربية الدينية الإسلامية ، وليس في المناهج الدراسية الأخرى .
إن وطنية الكنيسة المصرية وقداسة البابا واضحة للعيان ولا تحتاج إلى دليل ، ويبدو أن القائمين على الحملة البائسة والفاشلة لإستهداف "قداسة البابا شنودة الثالث" قد تناسوا تكريم الزعماء العرب له واعترافهم بوطنيته، أمثال الزعيم الليبي "معمر القذافي "،الذي أهداه جائزة القذافي لحقوق الإنسان عام 2003 ، وأكد القذافي في رسالة له بعث بها لتهنئة قداسته بعيد الميلاد نشرتها جريدة اليوم السابع قال فيها " ... نغتنم هذه المناسبة المباركة لنعرب لكم ومن خلالكم لإخوتنا الأقباط عن أبلغ التبريكات وأطيب الأمنيات ... مُقدرين دوركم في تأكيد القيم السامية ووحدة الوطن وصيانة روح الوطنية المصرية والإخوة العربية ودحض مؤامرات الأعداء ".
ومعروف أن "قداسة البابا شنودة الثالث" كان من أوائل المدعوين لإلقاء محاضرات في منظمات ومؤتمرات إسلامية عالمية كبرى، كمنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من من المؤتمرات ، لثقة هذه المؤسسات الإسلامية في أرائه ونصائحه ووطنيته ووسطيته
. أما مطالب البابا بحقوق الأقباط فلا يعتبر ذلك عملاً سياسيًا ولا طائفيًا ، فمن حق الكنيسة أو أي إنسان على وجه الأرض أن يحتج على كافة صنوف الظلم والعدوان والقهر والتمييز التي يعاني منها.
إنني أطالب الجهاز الأمني المصري بملاحقة القائمين على هذه الحملة المشبوهة ؛ لأن هذه الحملة الفاشلة سوف لا تصب في مصلحة مصر بل تصب في تكريس الفتنة الطائفية وتفتيت وحدة هذا البلد. وأذكِّر القائمين على هذه الحملة بقول الملك المسيح عن كنيسته " وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ".. |