بقلم : منير بشاى وجد أقباط مصر أنفسهم فجأة أمام قرار يمنعهم من ممارسة تقليد قديم دون مبرر مقنع. وقد أصاب القرار البعض بإنزعاج؛ نظرًا لما رأوه من تداخل بين السياسة والدين نتج عنه حرمانهم من ممارسة دينية محببة. ورأى البعض الآخر أن القرار يلزمهم بإتخاذ مواقف ودية تحرمهم مما هو حق لهم إرضاءً لمشاعر أطراف يعتقدون أنهم لا يبادلوهم نفس مشاعر الود. ولكن لكى ننظر إلى القرار بموضوعية، علينا أن لا نفصله عن الظروف التاريخية التى أفرزته. والدارس لجذور هذا القرار يدرك أنه قد أُتخذ فى ظروف سياسية غير عادية فرضت نفسها، ولم يكن هناك خيار آخر فى الأمر. خلفية هذا القرار يسردها الكاتب الكبير "محمد حسنين هيكل" فى كتابه (خريف الغضب صفحة ٤٥٣، ٤٥٤. وهنا طرأت على الرئيس السادات فكرة إعتقد أنها المخرج له من هذه الورطة. فقد تذكر أنه قبل سنة ١٩٦٧، عندما كان الطريق من مصر إلى الأماكن المقدسة مفتوحًا ، كان يذهب ما بين ٤۰ و ٥٠ ألف قبطى من مصر للحج فى القدس سنويا، وكان السادات يعتقد أن الحل هو عودة هؤلاء الحجاج الأقباط إلى زيارة القدس، العمل الذى سيؤدى فى إعتقاده إلى مجئ السياح الإسرائيليين إلى مصر، وبالتالى يكون قد تمم بنود الإتفاقية بخصوص عملية التطبيع. ولكن المفاجأة الكبرى للسادات أن قداسة البابا رفض هذه الفكرة وكان رده على رسالة السادات حازمًا وقاطعا وهو "أرجوكم إبلاغ الرئيس السادات أننى لا أرى الوقت مناسبا لتنفيذ إقتراحه"، وأضاف البابا شارحًا أسباب رفضه "إن المشاكل التى تفصل مصر الآن عن بقية العالم العربى سوف تُحل فى ذات يوم، وأنا لا أريد أن يكون أقباط مصر هم خونة الأمة العربية حينما تعود المياه إلى مجاريها بين شعوب هذه الأمة وبالتالى فأنا لا أرى الوقت مناسبا الآن لإستئناف سفر الحجاج الأقباط إلى القدس. واضح من رد قداسة البابا على الرئيس السادات أن قراره بمنع الحجاج الأقباط كان أمرًا ضروريًا فى ظل الظروف السياسيةا لسائدة فى ذلك الوقت، وقد أثبتت الأيام أن القرار كان يدل على بصيرة ثاقبة وذكاء سياسي بارع من قداسة البابا. من المؤكد أن هذا كان سيوصم أقباط مصر بأنهم خونة للشعب العربى الذى يعيشون فى وسطه. وكان هذا سينعكس على وضع الأقباط فى المنطقة والتعاملات معهم لأجيال قادمة. ولكن فى المقابل قد قوبل موقف قداسة البابا برفض التطبيع ، بالتقدير والأمتنان من جماهير الشعب المصرى والفلسطينى، بل والشعب العربى فى المنطقة، الذى وصل إلى حد إعتبارهم لقداسة البابا أنه بابا العرب. لا يستطيع أحد أن ينكر مدى الضيق الذى أحس به الأقباط نتيجة حرمانهم من زيارة الأماكن المقدسة، ولكن الحج للأراضى المقدسة ليس فريضة مسيحية تلزمهم بأدائها كما هو الحال مع الحج إلى مكة بالنسبة للمسلمين. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٩ صوت | عدد التعليقات: ٨ تعليق |